تركيا وإيران لولا المصالح لم تجد صالح
تشهد العلاقات التركية -الإيرانية تقارباً جديداً، وغير مسبوق منذ بداية ثورات الربيع العربي قبل ست سنوات، في ما يخص عدداً من المواضيع الخارجية ذات الاهتمام المشترك وبالذات المتعلقة بسورية والعراق، وذلك لمواجهة “خطر الانفصال الكردي” على الأمن القومي التركي والإيراني. بدأ هذا التقارب يتضح، بعد توافر عدة أسباب أدت إلى ترسيخه واقعاً وحاجة ماسة لكلا الدولتين، ومنها الازمة الخليجية وتلاقي مصالح الدولتين في الوقوف إلى جانب دولة قطر، لتشكيل محور إقليمي فاعل وقد حصل اجتماع بين كل من قطر وتركيا وإيران، كان الهدف الأساسي منه “اقتصادياً” ويهدف إلى إيجاد حلول للتخفيف من وطأة الحصار المفروض عليها خليجياً، بالإضافة إلى أحداث الميدان السوري التي استجدت فيه أحداث كثيرة تمس مصالح كلا الدولتين، وزادت الحاجة للتقارب نتيجة السياسة التي انتهجتها الولايات المتحدة في المنطقة عموماً وفي الميدان السوري خصوصاً، ابتدءاً من تحالف الولايات المتحدة مع قوات سوريا الديمقراطية، ومحاولة الأمريكيين قطع صلة الوصل الممتدة من إيران إلى العراق فسوريا، وصولاً الى “حزب الله” في لبنان، حيث تحاول أمريكا قطع هذه السلسلة في البادية السورية، ولعل الشعرة التي قصمت ظهر البعير هي مسألة الاستفتاء على الاستقلال المزمع اجراءه قريباً، وما قد ينشئ عنه من تداعيات تمس كل من تركيا وايران، ومن المعلوم أن مواقف الدولتين والنظام السوري هي ضد قيام أي “كيان كردي” في المنطقة.
وعلى الرغم من الخلافات التركية الإيرانية الحادّة بشأن عدد من القضايا والملفات على رأسها الملف السوري، إلاّ أنّ وتيرة التنسيق بين الطرفين بدت خلال الفترة الأخيرة في ارتفاع غير مسبوق. وقام رئيس الأركان العام الإيراني اللواء محمد باقري بزيارة إلى تركيا، أجرى خلالها مباحثات مع عدد من كبار المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب وناقش معهم عدد من القضايا، وأهمها “القضية الكردية” ولم يخف أي من المسؤولين الأتراك أو الايرانيين طبيعة هذه الزيارة وبأنها “أمنية بحتة”.
وتهدف الزيارة لبلورة رؤية جديدة في التنسيق بين البلدين للعمل على تحقيق مصالحهما، لا سيما إذا ألقينا نظرة على الخارطة فسنجد نقاط تلاقي وتقابل بين قوات درع الفرات المدعومة تركياً وقوات النظام، كما هو الحال في موقع مدينة “الباب” و”تادف” هذه المنطقة الرخوة من الممكن أن تصبح منطقة عبور للقوات والفصائل المسلحة من تركيا ومناطق درع الفرات، باتجاه الداخل السوري وصولاً إلى البادية السورية والمنطقة الشرقية، والتي تعتبر حساسة بالنسبة للدولتين عند حصول أي اتفاق تركي -إيراني، فبذلك تضمن إيران بقاء اتصال السلسلة وصولاً إلى لبنان، وتضمن تركيا تطويق “قوات سوريا الديمقراطية” من الجنوب والغرب.
وفي العراق تلتقي مصلحة الدولتين على إجهاض مشروع استقلال “إقليم كردستان” عن العراق، حيث سيتم قريباً إجراء استفتاء الاستقلال في الإقليم، الأمر الذي تدّعي كل من تركيا وإيران بأنّه يمسّ بأمنها القومي ويؤدي إلى تمزيق النسيج الوطني لكلا الدولتين، ويداعب أحلام كل من اكراد إيران وتركيا في اتخاذ ذات الخطوة.
ومن خلال هذه الزيارة ناقش المسؤولين في كلا البلدين الإجراءات الأمنية التي تضمن أمن حدودهما، حيث تبني تركيا جداراً فاصلاً على حدودها مع إيران، وقد تمخض هذا الاجتماع عن تنسيق يكون الهدف منه شلّ حركة حزب العمال الكردستاني عبر حدود البلدين.
والمستعرض للعلاقات التركية -الإيرانية سيتفاجئ بأن هذه العلاقات مميزة جداً من الناحية الإقتصادية، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 21ملياردولار في عام 2012، أي في أوج مراحل الخلاف بينهما حول سوريا، ويبقى الحامل الأساسي لأي علاقة تجمع بين دولتين مستنداً إلى المصالح المشتركة بينهما، فلا مكان للعواطف في مجال العلاقات الدولية.