في خطوةٍ تثير القلق وتبعث برسائلَ شديدة السلبية، حول مسار العدالة الانتقالية في سوريا، أقدمت وزارةُ الدفاع بالحكومة السورية الانتقالية، على تعيين المدعو أحمد الهايس، المعروف بلقب “أبو حاتم شقرا”، قائداً لما تسمى الفرقة 86 العاملة في المنطقة الشرقية، والتي تشمل محافظات دير الزور، الحسكة، والرقة، لتعودَ أسماءٌ متهمةٌ بدماء السوريين، وتتصدرَ واجهة القرار.
هذا القرار وفق مراقبين، لا يبدو مجرد قرارٍ إداري، بل هو انعكاسٌ لانزياحٍ أخلاقي خطير، يعيد لذاكرة السوريين صورَ القهر والانفلات.
أحمد الهايس ليس مجرد اسمٍ مثير للجدل، بل هو شخصيةٌ تلطّخت يداها كثيراً بالدم، ولها سجلٌ حافل بالانتهاكات والجرائم بحق السوريين. الاتهامات الموجهة إليه تتجاوز الشكوك، وتشمل جريمةً مروّعة، تمثلت في اغتيال السياسية الكردية هفرين خلف عام 2019، وهي الجريمة التي هزّت الضمير الإنساني، وأثارت استنكاراً دولياً واسعاً. الهايس لم يُحاسبْ على هذه الجريمة، بل كوفئ بمنصبٍ رفيعٍ في الجيش السوري الجديد، في رسالةٍ واضحة بأن الجرائم يمكن أن تكون سُلّماً للترقية، لا سبباً للمحاسبة.
الهايس اسمٌ مُدرَجٌ على قائمة العقوبات الأمريكية، وهو ما يضع الحكومةَ السورية في موقعٍ مناقضٍ لالتزاماتها الدولية، ويقوّض أي مسعًى للحصول على اعترافٍ دولي بحكومةٍ انتقالية مستقبلية… كيف يمكن لدولةٍ أن تطالب بدورٍ فاعل في المجتمع الدولي، بينما تُعين على رأس أحد فرقها العسكرية، شخصاً ممن يخضعون لعقوباتٍ دولية، بتهم ارتكاب جرائم حرب وانتهاك حقوق الإنسان.
لا يمتلك الهايس أي مؤهلاتٍ عسكرية، تؤهله لقيادة تشكيلٍ عسكري بهذه الأهمية، سوى سجلٍ طويل من الفوضى، والقتل، والابتزاز. فالمعلومات الموثقة تفيد بأنه كان يمارس الخطفَ وطلبَ الفدية من التجار والمدنيين في ريف حلب، وتنفيذَ عمليات إعدامٍ بحق معتقلين، منذ عام 2018، كما سمح لعناصرَ سابقين من تنظيم داعش الإرهابي، بالانضمام إلى فصيله “أحرار الشرقية”، مما جعل هذا التشكيل حاضنةً للإرهابيين والمطلوبين للعدالة.
تعيين مثل هذه الشخصيات في مواقعَ حساسة، يكرس مناخ الإفلات من العقاب، ويقضي على فرص المصالحة الوطنية. كما يعمّق الشرخَ بين المكونات السورية، ويزيد من شعور الظلم لدى الشعب الكردي والمجتمعات المحلية، التي كانت ضحيةً مباشرةً لانتهاكات الهايس وفصيله.
إن استمرار الاعتماد على شخصياتٍ متورطة في جرائمَ وانتهاكات، لا يهدد فقط مستقبل العدالة الانتقالية في سوريا، بل ينسف أي إمكانيةٍ لبناء ثقةٍ بين الشعب ومؤسسات الدولة. وإذا كانت الحكومة السورية الانتقالية تأملُ الحصول على شرعيةٍ أو دعم دولي في المستقبل، فإن قراراتٍ من هذا النوع، تدفع بهذا الأمل إلى الهاوية.