خمس سنوات على الضربة الأولى، ولكنها كأنها بالأمس بالنسبة لمن ذاق مرارتها، وكأنها اليوم لمن هُجّر من أرضه عنوةً، وكأنها الآن لمن يرنو إلى دياره من بعيد وما يمنعه عنها إلا كل ظالم محتل، منتهك للأعراف والقوانين الدولية.
تمر اليوم الذكرى الخامسة لبداية العدوان على مدينة عفرين شمال غربي سوريا، من قبل النظام التركي وفصائله الإرهابية، في مسعىً لإفشال مشروع الإدارة الذاتية، ولسلخ عفرين من محيطها، والبدء بمخطط تقسيم سوريا واقتطاع أجزاء منها.
لم يدخر النظام التركي جهداً لاحتلال المدينة وريفها، مستخدماً لأجل ذلك الطائرات الحربية والأسلحة المحرمة دولياً، ومارس بحق السكان الأصليين أبشع الجرائم وأشنع الانتهاكات، التي تصنف كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
مقاومة وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة استمرت ثمانية وخمسين يوماً، كمقاومة أقل ما يمكن القول عنها إنها أسطورية، إلا أن صمت الحكومة السورية، والتنديد الدولي والإقليمي الخجول، كان لهم الدور الأكبر في احتلال المدينة فيما بعد.
ومع اليوم الأول لاحتلال عفرين وريفها، بدأ مسلسل الانتهاكات على قدم وساق، فعناصر الفصائل الإرهابية نهبوا المنازل، ونكلوا بالأهالي، واختطفوا الآلاف، في مسعىً منهم لإفراغ المنطقة من سكانها الأصليين.
الاحتلال التركي لم يكتفِ بما فعله إرهابيوه، ليشرع بسياسة التغيير الديمغرافي التي بدأت بالتضييق على من تبقى من الأهالي، ولم تنته عند فرض التعليم باللغة التركية في المدارس، وفرض التعامل بالليرة التركية عوضاً عن السورية، وبناء المستوطنات.
اعتداءات الاحتلال والفصائل الإرهابية تواصلت على مدار السنوات الماضية، أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، فكانت حالات القتل وعمليات الاختطاف حاضرة كل يوم، كما كان فرض الإتاوات على السكان، وقطع أشجار الزيتون ونهب محصولها روتيناً يومياً.
كل ذلك إلى جانب اقتتالات بين الفصائل الإرهابية على حصصها من المسروقات، ليذهب ضحيتها مدنيون لا ذنب لهم.
منظمة حقوق الإنسان في عفرين وثقت خلال السنوات الخمس الماضية الكثير الكثير من الانتهاكات، ربما لا يسعنا الوقت لذكرها كلها، فيكفي أن نقول إن حالات الخطف قاربت عشرة آلاف حالة، فيما تعرضت حوالي نصف مليون شجرة مثمرة أو حراجية للقطع أو الحرق، وكانت عشرات المواقع الأثرية والمزارات الدينية للإيزيديين عرضة للحفر والنبش والهدم.
أبناء عفرين لم يتخلوا عنها، فأسسوا قوات تحرير عفرين، وعاهدوا أنفسهم على تحرير الأرض، وحماية الممتلكات من سطو المستوطنين الذين توعدوهم بمصير مأساوي بسبب استيلائهم على منازل المهجرين قسراً عن ديارهم.
ولم تنكث قوات تحرير عفرين عهدها، فاستهدفت الاحتلال ونقاط تمركزه، كما قضت مضاجع عناصر الفصائل الإرهابية وصادتهم في كل حين.
وبعد خمس سنوات عجاف، فقدت عفرين لونها الأخضر، الذي كانت تزهو به مختالة بين المدن السورية، إلا إن أهلها وبإصرارهم على تحريرها وكأنهم يحيون شعر محمود درويش حين قال:
“أيها المارون بين الكلمات العابرة
آن أن تنصرفوا
وتقيموا أينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا
آن أن تنصرفوا
ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا”