بين فضاءات المركزية واللامركزية.. يتحدد مصير سوريا الجديدة(خاص)

كثيرةٌ هي الاحتمالات والخيارات المطروحة أمام نوع السلطة، التي ينبغي أن تمارِس مهامها في سوريا، إلا أنه لا مجال للشك، أن هناك حلًا واحدًا سيكون الأفضل والأنسب لمثل حالة الشعب السوري المتنوع، يتعارض تمامًا مع حالة السلطة المركزية المباشرة، كسلطة النظام السابق الذي كان يتحكم بجميع مقاليد الأمور بقبضةٍ من حديد.

على مفترق طرقٍ تقف سوريا اليوم، بين العودة إلى السلطة المركزية البحتة التي تنصهر فيها إرادات الشعوب في بوتقة القهر والاستبداد، والعودةِ إلى المربع الأول لحكم عائلة الأسد، وبين التوجه نحو اللامركزية لخوض تجربةٍ مختلفةٍ ربما تحمل معها رياح التغيير التي يشتهيها الجميع.

ولا شك أن لكل دولةٍ خصوصيتها وطبيعتها الديمغرافية والجيوسياسية، التي تفرض عليها نظامًا سياسيًا مختلفا يناسبها أكثر من غيرها، فالنظام المركزي الضروري في بلدٍ ما ليس بالضرورة أن يكون منطبقاً على بلدٍ آخر، واللامركزية كذلك.

بالنسبة للمركزية فإنه من الواضح أن سلطتها ضيقةٌ ولا مُتّسَعَ فيها لمشاركةٍ شعبيةٍ واسعة، فمقاسات قراراتها قد لا تستطيع احتواءَ جميع حقوق الطوائف والأعراق والفئات المجتمعية، التي تقطن جغرافياً واحدةً كما هو الحال بالنسبة لسوريا اليوم، التي تحاول تنفس الصعداء بعد سقوط نظام بشار الأسد.

أما اللامركزية فهي النظام الذي يعترف بالتنوع ويحوّله إلى قوة، بدلًا من أن يكون مصدرًا للصراع، ومن أبرز الأمثلة الناجحة عنها، يمكن ذكر ألمانيا التي تتمتع بحكمٍ فيدرالي، وتحولت الانقسامات التاريخية إلى قوةٍ اقتصادية وسياسية، وجنوب إفريقيا التي تبنّت اللامركزية، بعد انتهاء الفصل العنصري، كوسيلةٍ لتعزيز المشاركة السياسية للجميع.

وغيرُ بعيد، هناك العراق الذي تحوّل إلى نظامٍ فيدرالي بعد سقوط نظام صدام حسين، حيث أصبح إقليمُ كردستان يمتع بحكمٍ ذاتي، مما سمح للكُرد بإدارة شؤونهم الخاصة. هذا النموذج ساعد في تقليل التوترات، وإن كان لا يزال يواجه بعض التحديات.