بين التصعيد والدبلوماسية..أردوغان يبحث في موسكو عن مخرج
هاربا من صرخات ذوي القتلى من الجنود الأتراك، الذين راحوا يتساقطون ضحيةً لأوهامه ومغامراته غير المحسوبة في سوريا وليبيا، وصيحات التنديد والرفض من الداخل والخارج لتدخلاته السافرة في شؤون البلدين، يرتمي رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان على أعتاب الكرملين، الذي بالغ في التأنّي لقبول سعي أردوغان من أجل اللقاء بنظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وتبدو الأصوات القادمة من موسكو أعلى صخباً، من قذائف أردوغان وصواريخه، التي جازف باستخدامها ضد طائرات النظام السوري وعناصره وآلياته، فأسقطَ وأُسقِطَ بفخ الطائرات، مع إعلان الكرملين بأن موقف موسكو من الأزمة السورية لم يتغيّر أبداً، وأنّها تدعم الحرب ضد الإرهابيين والتنظيمات الإرهابية، في صفعة جديدة بدّدت ما تسوّق له أنقرة حول قبولٍ أو تغاضٍ روسي عن عملياتها العسكرية بإدلب، مقابل صفقات من قبيل الإس أربعمئة وغيرها بين الطرفين.
بل إنّ الموقف الروسي جاء صارم التحذير من مجازفات أردوغان شمالي سوريا، ومحاولاته الاستثمار في تباين المواقف والتصريحات بشأن الوضع هناك، فأعلنت روسيا أن طائرات النظام التركي قد تكون بخطر في أجواء إدلب، ولا سيما بعد إعلان النظام السوري إغلاق المجال الجوي هناك، والتهديد بإسقاط أي طائرة تخرق الحظر المفروض، وذلك قبل أن تسقط طائراته بنيران الأتراك.
قانطاً من أيِّ دعم أمريكي أو غربي، يحثّ أردوغان خطاه تجاه موسكو، آملاً في الحصول على وقف لإطلاق النار يحفظ ما أهدر من ماء وجهه في إدلب، التي طالما هدد بإشعالها على رؤوس قوات النظام السوري، فور انقضاء آخر أيام الشهر الماضي.
قنوط الرجل من دعم واشنطن والغرب مبنيٌّ بحسب مراقبين على أمرين، أولهما امتعاض أوروبا الشديد من استهتار أردوغان ولعبه بأمنها وتهديد استقرارها بموجات المهاجرين الذين أطلقهم على حدودها، وذلك دون إحاطة تلك الدول بخلفيات القادمين إليها، وما إذا كان بينهم من يمكن اعتبارهم من الإرهابيين، وثانيهما عدم رغبة تلك الدول وهي أعضاء في حلف الناتو، بالتورّط في تدخلات أردوغان التي طالما حذّرت منها الأمم المتحدة وعدّة دول، وممّا يترتب عليها من تداعيات.
من تلك التداعيات ما قاله محقّقون أمميون بأن أنقرة قد تكون أمام مسؤولية جنائية، في جرائم حرب ارتكبت ضد الشعوب في شمال شرقي سوريا، من بينها إعدام السياسية الكردية هفرين خلف، الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل مع مرافقها.
بين هذا وذاك يبقى المدنيون السوريون داخل بلادهم وخارجها، الضحية الكبرى لطموحات أردوغان وأطماعه، بين الموت برصاص الجندرما الأتراك، أو على إيد من يدعمهم نظام أردوغان من إرهابيين في شمالي وشمال شرقي سوريا، أو بين أمواج البحر المتلاطمة، في رحلة الزجّ بهم على أبواب أوروبا نحو المجهول.
أسئلة كثيرة تطرح نفسها حول هرولة أردوغان إلى موسكو، أولها ما إذا كان بوتين سينجح في التهدئة من روع الرجل الباحث عن فتات الصفقات، أم أنّ حصته منها هذه المرة أيضاً لعقة أخرى من الآيس كريم، أو أن أردوغان سيعود من موسكو بخفّي حنين؟