التاسع من تشرين الأول أكتوبر من عام ألفين وتسعة عشر، يومٌ ليس كباقي الأيام، بالنسبة لسوريا بشكلٍ عام، ولأهالي سري كانيه رأس العين وكرى سبي تل أبيض بشكلٍ خاص، ففي هذا التاريخ غرسَ النظام التركي نابَهُ مجدداً في جسد الإدارة الذاتية، واحتلَّ هاتين المدينتَين وأجزاءً من ريفهما.
تفاصيلُ يوميات الحرب تقليديةٌ كعادة معظم الحروب، إذ استخدم النظام التركي الطائرات الحربية، لقصف منازلِ المدنيين والمنشآت المدنية هناك، كما قصفَ المدينتين بالأسلحة المحرمة دولياً، قبل أن يُهجِّرَ سكانها من أرضهم التاريخية، ومن دورهم التي عاشوا فيها سنينًا.
إفراغ المنطقة من سكانها الأصليين، كان غايةَ النظام التركي الأولى من الاحتلال، إذ جعل المدينتَين مرتعاً لفصائلَ إرهابيةٍ ولعائلاتِ عناصرها، إلى جانب عائلاتٍ عراقيةٍ يقول مراقبون، إنها لعناصر تنظيم داعش الإرهابي، ومن هنا بدأت أولى خطوات التغيير الديمغرافي في سري كانيه رأس العين وكرى سبي تل أبيض.
أمّا مَن آثرَ البقاء في دارِهِ من السكان الأصليين، فبات عُرضةً لشتى أنواع الانتهاكات، هو وعائلته، فعمليات الخطف، ودفع الإتاوات، ناهيك عن زيادة خطر الموت في ظل الاشتباكات المتكررة بين الفصائل الإرهابية، التي تشترك في عمليات النهب والسرقة، وتختلف في عملياتِ القِسمة فيما بينها، باتت من يوميات المدينتين المحتلتين.
اليوم وبعد مرور خمس سنواتٍ على احتلال المدينتين، وأجزاءٍ من ريفهما، بات حالُهما كحال كل المناطق المحتلة في سوريا، التي يسيطر عليها جيشُ الاحتلال التركي، فصائل إرهابيةٌ متناحرة، تتقاسم السيطرة فيما بينها، وعمليات التتريك جاريةٌ على قدمٍ وساق، فمِن تعليم اللغة، إلى منح أفضلية التوظيف لمن يتقن قراءَتها وكتابتها، وصولاً إلى فرض التعامل بالعملة التركية على سكان المناطق المحتلة.
كما وقعت ورقة التوت التي كانت تستر النظام التركي، فالمتاجرة بحلم ملايين السوريين انكشف على الملأ، مع توجهه نحو التطبيع مع الحكومة السورية، في سبيل تحقيق أجنداته الخاصة، ما يجعل مستقبل المناطق المحتلة، أو الخاضعة لفصائلَ مؤتمرةٍ بأمر أنقرة، غامضاً للغاية، فحزب العدالة والتنمية الحاكم هناك، لا يتوانى عن التضحية بعدة أوراقٍ في سبيل الوصول إلى غايته، التي تبررها الوسيلة، على خُطى السياسي الإيطالي نيكولو ميكيافيللي.