مع الأيام الأولى لهجوم هيئة تحرير الشام على قوات النظام السوري السابق في حلب، وإدراك قائدِها “أبو محمد الجولاني” بأن الطريق نحو العاصمة دمشق بات سالكاً، بدأ بتصدير صورةٍ جديدةٍ لنفسه، خلال لقاءاتٍ متتالية مع وسائل إعلامٍ أجنبية، نفى من خلالها انتهاج الفكر المتشدد، رغم أن الهيئة مدرجةٌ على قوائم الإرهاب الدولية.
وقبل أن تؤول إليه الأمور في دمشق، كشف الجولاني عن اسمه الحقيقي وهو أحمد الشرع، وبعد الوصول إلى العاصمة خلع البزة العسكرية، في خطوةٍ قرأها كثيرون على أنه يقدم نفسه للمجتمع الدولي كزعيم سوريا الجديد، وفيما بعد ارتدى الشرع ربطة العنق، في محاولةٍ لتقديم شهادة حسن سلوك.
وفي قصر الشعب استقبل الشرع عديدَ الوفود الرسمية من الدول العربية والأجنبية، وكذلك استقبل قادة الفصائل العسكرية، ووصل به الأمر إلى استقبال المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، والتقى كذلك بـ ديبرا تايس، والدة الصحفي الأمريكي أوستن تايس، المفقود في سوريا منذ عام 2012.
كل هذه اللقاءات أثارت حفيظة ذوي المعتقلين والمغيبين قسراً في عهد النظام السابق، الذين سعوا منذ اليوم الأول لسيطرة الهيئة على دمشق للقاء الشرع، لكن كما يقول بيت الشعر “لقد أسمعت لو ناديت حياً.. ولكن لا حياة لمن تنادي”، لم ينظر قائد الهيئة في طلبهم بعد.
تجاهُلُ الشرع المستمر منذ قرابة شهرٍ ونصف للقاء ذوي المعتقلين أثار حفيظتهم، لتخرج الناشطة رانيا العباسي وتكشف عن محاولاتها في هذا المسعى، مستنكرةً في ذات الوقت لهفة الشرع للقاء الوفود الأجنبية، وإهمال ذوي المعتقلين دونما أي رد، إن كان بالرفض أو الإيجاب.
العباسي تساءلت خلال مقطع فيديو عن الرسالة التي تقدمها هيئة تحرير الشام، من خلال استقبالها لكل من هبّ ودب، ورفضها لقاء ذوي المعتقلين في سجون الأسد، واستنكرت تفضيلَ الشرع لقاء والدة تايس على لقاء ممثلين عن عائلات المعتقلين، مشبهةً تصرفه بتكريس الفوقية البيضاء، عبر تفضيل الأجنبي على ابن البلد.
جهاتٌ دولية ومنظماتُ مجتمعٍ مدني، وجهت انتقاداتٍ إلى هيئة تحرير الشام من خلال تعاملها في ملف المعتقلين والمفقودين في سجون النظام السابق، خاصةً مع عدم الاهتمام بالوثائق والأدلة الموجودة في سجون الأفرع الأمنية، وفي أقبية المعتقلات التي كان النظام يستخدمها لتغييب معارضيه.
وكان عددٌ من ذوي المعتقلين والمختفين قسريًا، قد نظموا وقفةً احتجاجية في العاصمة السورية، معبرين عن استيائهم من عدم اهتمام إدارة الهيئة بقضية المعتقلين، وماتزال الهيئةُ صامتةً دون أي تعليق على هذا الملف.