النظام التركي والمعارضة بين كود الزلازل والمحاسبة الشكلية
منذ السادس من شباط/ فبراير الجاري، يتسيد الخوف المشهد في تركيا، عشر ولايات منكوبة، وأكثر من 40 ألف قتيل، وأكثر من مئة ألف جريح، وآلاف الأبنية المهدمة، وآلاف أخرى متصدعة، هذا ما خلفه الزلزال الذي كان مركزه ولاية مرعش جنوبي تركيا.
ومنذ ذلك الحين، أسئلة عديدة سيطرت على معظم الحوارات واللقاءات، التي ضجت بها وسائل الإعلام التركية والعالمية، ومن بينها لماذا هذا العدد الكبير للضحايا؟
ولماذا تهدّمتِ الأبنية التي من المفترض أنها بُنيت وفق كود الزلازل التركي؟
الذي أُقر عام 2007، وعُدِّل عام 2018، لينظم عمليات تشييد المباني الخرسانية المسلحة.
فرق شاسع بين ما أُقر، وبين ما نُفذ على الأرض، فمقولة “الزلازل لا تقتل البشر، إنما هي المباني من تفعل ذلك”، تجسدت فعلياً في تركيا، مع سقوط المنازل على رؤوس قاطنيها، وتحولها إلى أكوام متلاصقة من التراب، في وضعية يصفها خبراء الزلازل بوضعية الـ Pancake Mood، إذ يلتصق سقف البيت بأرضيته، بينما يبقى السكان محشورين بينهما.
وفي خطوةٍ تهدف إلى تهدئة الرأي العام التركي، ألقت أجهزة النظام التركي القبض على أكثر من مئة مقاول، للتضحية بهم، لكن يبدو أن النظام التركي نسى أو تناسى تصريحات أردوغان الانتخابية عام 2018، عندما زف ما اعتقد أنه بشرى لسكان ملاطية وأنطاكيا ومرعش، بحل ما وصفه مشكلة السكن لقرابة أربعمئة وخمسين ألف شخص، عبر تشريع نظامه قانوناً يسمح لأصحاب الأبنية متوسطة ومنخفضة الجودة الذين لم يلتزموا بمعايير السلامة بدفع غرامات مالية مقابل بقاء أبنيتهم كما هي.
أحزاب المعارضة تلام في ذلك أيضاً، وفق مراقبين، لأن أعضاءها ترأسوا عدداً من البلديات في الولايات المنكوبة، لكنها حاولت استثمار ذلك في حملاتها الانتخابية لكسب المزيد من الأصوات في صناديق الاقتراع.
وبحسب السكان على المعارضة أيضاً الإجابة على هذا السؤال، رغم انتقاداتها المستمرة للنظام منذ الزلزال، لأن تراكم السلطة السياسية بيد أردوغان أعاق جهود الإنقاذ، وقلص من صلاحيات المسؤولين المحليين الذين عجزوا عن اتخاذ القرارات بسرعة دون الرجوع إلى مركز السلطة.
تركيا خبرت الزلازل منذ زمن، لكن يبدو النظام القائم لم يستفد من دروس الماضي، فبعد زلزال عام 1999 الذي أودى بحياة 17 ألف شخص، توقع الجميع أن القوانين والاشتراطات الهندسية ستطبق على الكل، إلا أن الشركات المقربة من حزب العدالة والتنمية كانت تستثنى من تلك الشروط، وكانت في معزل عن مراقبة الجودة.
فهل يتخذ النظام وأحزاب المعارضة العبرة من الزلزال الأخير، ويحاسبوا المسؤول الحقيقي عن التقصير في تشييد الأبنية، ويشددوا الرقابة على عمليات البناء، أم أن الكارثة لن تحرك فيهم ساكن، ليبقى التناحر فيما بينهم صفة دائمة، دون مراعاة لحياة السكان أو مصالحهم.