في العشرين من حزيران مِن كل عامٍ يُحيي العالمُ اليومَ العالمي للاجئين، تذكيراً بمعاناتهم وما يواجهونه من مشكلاتٍ بسبب معاناة أوطانهم، فيُخصَّصُ هذا اليومُ لاستعراض هموم اللاجئ ومشاكله وقضاياه، وتسليطِ الضوء على مأساة ملايين البشر اللاجئين حول العالم، وبحث سُبُل تقديم المزيدِ من العَون والمساعدة لهم.
وتُعرّف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اللاجئ بأنه “هو كل من وُجد بسبب خوفٍ له ما يُبرّره من التعرض للاضطهاد بسبب عِرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئةٍ اجتماعيةٍ مُعينة أو بسبب آرائه السياسية، خارج البلاد التي يحمل جنسيتها، ولا يستطيع أو لا يرغب في حماية ذلك البلد بسبب هذا الخوف”.
وتشير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن عددَ الأشخاص المُجبرين على الفرار من ديارهم كلَّ عامٍ قد ارتفع على مدار العَقد الماضي، ليبلغ أعلى مستوىً له منذ بدء العمل بالسجلات، وهو منحىً لا يُمكن عكس اتجاهِهِ إلا من خلال إعطاء دفعةٍ جديدةٍ مُنسّقة نحو صنع السلام.
وتؤكد إحصائيات المفوضية أن نحو 90 مليون شخصٍ قد فرّوا جراء الحروب والعنف والاضطهاد بحلول نهاية عام 2021، بزيادةٍ تصل إلى 8 في المئة عن العام الذي سبقه وأكثرُ من ضعف الرقم الذي كان عليه قبل 10 سنوات.
تقاريرُ المفوضية أوضحت أن الحرب الروسية الأوكرانية تسببت في نشوء أسرعِ وأكبرِ أزمة نزوحٍ قسري منذ الحرب العالمية الثانية، إضافةً إلى أن ندرة الغذاء والتضخم وأزمة المناخ كُلُّها أسبابٌ فاقمت معاناة السكان في مواطنهم الأساسية ودفعتهم للجوء لدولٍ أخرى.
اللاجئون السوريون… شتتهم الظروف وجمعتهم المأساة
نَصيب اللاجئين السوريين كان الأسوأ بين جميع أقرانهم من بقية دول العالم، فبعد أن انطلق الحَراك الشعبي في سوريا عام 2011 طلباً للحرية ولمستقبلٍ أفضل لهم ولأبنائهم، ردّت الحكومة السورية على مطالبهم بالضرب والسجن والقصف والقتل.
ومع نفادِ صبرهم وعدم قدرتهم على تحمل تلك الانتهاكات والمخاطر اضطر الكثيرُ منهم لترك وطنه والهرب إلى أماكنَ أخرى أكثرَ أمناً حفاظاً على حياتهم وحياة أبنائهم، وأملاً في حياةٍ أفضل من تلك الموجودة في بلدهم، إلا أن فَصلاً جديداً من المعاناة قد بدأ مع رحلة لجوئهم، فلم يكن طريق الهجرة مُعبّداً أمامهم من خطر الموت والأوضاع الاقتصادية والإنسانية الصعبة، أضف إلى ذلك عديدَ المشاكل التي واجهتهم في البلاد التي تستضيفهم، وأبرزُها مُشكلةُ تصاعد خطاب الكراهية والعنصرية….. وهذا بالنهاية كله كان مُحصلةً طبيعيةً لكل تلك الجرائم والانتهاكات في سوريا.
أعدادٌ كبيرةٌ من اللاجئين السوريين بدأت بالبحث عن مخرجٍ في اللجوء إلى “الفردوس الأوروبي”، بعد أن أصبح اللجوءُ إلى دول الجوار أصعب، وأوضاع اللاجئين فيها من سيئ إلى أسوأ، فركِب آلافٌ منهم البحر في مراكب الموت، وخاطروا بحياتهم وحياة أولادهم، للوصول إلى ما اعتبروه شطَّ الأمان.
لم تكنِ الرحلةُ في المراكب المتهاوية سهلة، إذ قضى آلافٌ من اللاجئين في البحر، إضافةً لفقدان الكثير منهم لحياته جوعاً وعطشاً ومرضاً في الغابات، وعشراتُ الآلاف ما زالوا يعانون من الرضوض النفسية التي سببها لهم ركوب البحر مع عصابات الجريمة المنظمة، العاملةِ في تهريب البشر، ناهيك عن الكثير ممّن قضَوا على يد الجندرما التركية أثناء محاولتهم الهروبَ من سوريا.
وتشير تقديرات مفوضية شؤون اللاجئين أنه منذ اندلاع الأزمة السورية قبل 12 عاماً، اضطر أكثرُ من 14 مليون سوري للفرار من منازلهم بحثاً عن الأمان.
اللاجئون السوريون في لبنان… من تحت الدلف لتحت المزراب
فمَن لجأ من السوريين إلى دول الجوار، فتلك مأساةٌ أخرى تكادُ تساوي أو تزيد على تلك التي عانوها في بلدهم، فلبنانُ مثلاً والذي يقدّر عددُ اللاجئين السوريين فيه بنحو مليونَي شخص، يعانون فيه من تصاعد حملة التمييز وخطاب الكراهية ضدهم، أضف إلى ذلك حالةَ الفقر التي يعيشونها، إذ توضّح مفوضية شؤون اللاجئين أن ما نسبته 58% من عائلات اللاجئين السوريين في لبنان، يعيشون في مآوٍ غيرِ ملائمة وغيرِ آمنة، ويعاني 67% منهم من انعدام الأمن الغذائي بدرجةٍ معتدلة أو شديدة.
نِسبٌ ربما تزداد، خاصةً مع قرار المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الأخيرِ الذي يقضي بشطب عشرات آلاف العوائل عن لائحة المساعدات الغذائية والمالية، لتنخفضَ مع هذا القرار نسبةُ العائلات السورية المُستفيدة من برامج المساعدات الأممية لنحو 15%.
وفوق هذا وذاك تَعمد السلطات اللبنانية لترحيل الكثير منهم بشكلٍ قسري، من خلال حملات المداهمة والاعتقال التي طالت العشرات، رغم تحذيراتِ منظماتٍ حقوقية ودولية، لما يترتب على هذا الأمر من عواقبَ وخيمةٍ سيّما وأن أغلبية اللاجئين السوريين مطلوبون للحكومة السورية.
اللاجئون السوريون في تركيا….. كالمستجير من الرمضاء بالنار
مع اندلاع الحَراك الشعبي بسوريا، فتح النظام التركي الحدودَ على مِصراعيها أمام الفارّين من أتونِ الحرب، وبمرور السنوات بدأت أعدادُ اللاجئين بالتضخم حتى وصلت إلى أكثرَ من 3 ملايين ونصف.
وقد ظنَّ الجميع أن دافع النظام التركي كان إنسانياً في بداية الأمر، إلا أن أوراقَ التوت بدأت تتساقط يوماً بعد آخرَ لتكشف عن سوءات هذا النظام وبُعدِهِ عن الإنسانية.
فالنظام التركي بدايةَ الأمر استغل اللاجئين السوريين للحصول على الأموال من الاتحاد الأوروبي، واستخدمهم كورقة ابتزازٍ للضغط على دول الاتحاد لتمرير الكثير من طلباته أو لغضِّ الطرفِ عن انتهاكاته وسياساته العدوانية.
كما يواصل النظام التركي، استخدام ملف اللاجئين السوريين لتنفيذ أجنداته، وذلك باستخدامهم كأداةٍ لتغيير ديمغرافية المناطق التي يحتلها، من خلال توطين لاجئين سوريين في مناطقَ تمَّ تهجير سكانها الأصليين مما يؤدي بحسب مراقبين إلى “زرع بؤرةٍ مُلتهبة في المنطقة والعودة إلى دوامة العنف”.
كما أصبح اللاجئون السوريون حَطباً في نار الانتخابات الأخيرة يتسابق المُتنافسون فيها باستغلال قضيتهم، حيث كشفت هذه الانتخابات اتفاقَ النظامِ والمعارضة على ضرورة الانتهاء من ملف اللجوء في البلاد، دون الاكتراث لما تحمله برامجهم الانتخابية من نتائجَ سلبيةٍ على اللاجئين، إذ أدّت حِدة الاستقطاب السياسي واعتماد الشعبوية في الخطابات إلى تصاعد نِسَبِ العنصرية تجاه اللاجئين السوريين، وتحميلهم أسبابَ مُعظمِ المشاكل التي تعيشها تركيا، ما أدى إلى تسجيل عدة حوادثِ اعتداءاتٍ لفظيةٍ وجسدية، سبقتها جرائمُ قتل، بدوافعَ عنصرية.
أمَّا وضع اللاجئين السوريين المعيشي في هذا البلد، فتُشيرُ مفوضية اللاجئين إلى أن 90% منهم لا يقوون على تغطية نفقاتهم الشهرية أو احتياجاتهم الأساسية بالكامل، بينما اضطر 94% لاتباع أساليبَ مُختلفةٍ من أجل البقاء، مثل تخفيض مستوى استهلاك الطعام أو اقتراض الأموال.
هذا هو حالُ اللاجئين السوريين في دول الجوار، وبين صمتٍ حكومي سوري غيرِ مُبرر، وانشغالٍ لما يسمّى فصائل المعارضة بالسلب والنهب والارتهان للنظام التركي مُستخدماً إياها عصا يحرّكها كيف يشاء وضدَّ مَن يشاء، أطلقت وما زالت تطلقُ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا رغمَ جملةٍ من العراقيل لإفشال مساعيها، مبادراتٍ بدافعٍ إنسانيٍّ أخلاقي بالدرجة الأولى ووطنيٍّ بالدرجة الثانية، لإعادة اللاجئين والنازحين الراغبين بالعودة، واستطاعت على الرغم من ضعف إمكانياتها إعادةَ مئاتٍ منهم من السودان ولبنان، مُبديةً استعدادها لاستقدامِ المزيد منهم.