العرب اللندنية: الخرائط المتحركة للنفوذ في الشمال السوري

الكاتب: د. خطار أبودياب

 

أتت العملية التركية الأخيرة في سياق نزاعات السيطرة والنفوذ والمصالح في الشمال السوري.
تكرس هذه الخلاصة الأولية روسيا بمثابة اللاعب الدولي الرئيسي والحكم الأول وذلك بعد الانسحاب الأميركي وبلورة موسكو لترتيب ما بين النظام ووحدات الحماية الكردية.
لكن الاتفاق الأميركي- التركي الذي جرى التوصل إليه في 17 أكتوبر الحالي، زاد من خلط الأوراق ومن تداخل خرائط النفوذ في منطقة شرق الفرات والجزيرة وصولا إلى نهر دجلة قرب الحدود العراقية.
بعد عشرة أيام على إطلاق الهجوم التركي الذي لم يكن ممكنا من دون ضوء برتقالي أميركي- روسي، تغيرت قواعد اللعبة شرق الفرات وفتحت المجال كي تقدم موسكو نفسها كلاعب أساسي بين دمشق وأنقرة وبين دمشق والأكراد ووسيط بين الأطراف المتصارعة للوصول إلى ترتيبات اليوم التالي بعد الخروج الأميركي من شرق سوريا.
لكن ما بين اتفاق 17 أكتوبر الأميركي-التركي واتفاق 11 أكتوبر الذي رعته روسيا ما بين النظام السوري ووحدات الحماية الكردية نلاحظ الكثير من التداخل في مناطق شرق رأس العين وتبدو المنطقة الآمنة (على مدى 400 كيلومتر وعمق 30 كيلومترا حسب طلب تركيا، علما أن نص الاتفاق لم يحددها ولم يفصح شيئا عنها نائب الرئيس الأميركي مايكل بنس) بمثابة “جبنة سويسرية مثقوبة” خاصة بعد انتشار القوات السورية النظامية في منبج وكوباني (عين العرب).
وفي إطار التجاذب القائم في الشمال السوري دخلت روسيا على الخط واعتبرت أن الوضع مناسب لاستكمال سيطرة النظام الذي تدعمه على كل الأراضي السورية خاصة بعد قرار الانسحاب الأميركي.
على صعيد الساحة السورية لا يزال من الأمور المعلقة مصير الوجود الأميركي في قاعدة التنف في زاوية الحدود السورية-الأردنية-العراقية، وكذلك ليس هناك حتى اللحظة من أجوبة حاسمة حول مصير آبار النفط والغاز التي كانت تحت سيطرة حلفاء واشنطن.
من جهتها، تصرّ موسكو على “انتشار الجيش السوري رمزيا على جميع النقاط الحدودية ضمن القرار 2254 الذي يتحدث عن «السيادة السورية ووحدة الأراضي السورية».
ويبدو أن قمة سوتشي بين بوتين وأردوغان في 22 أكتوبر ستبحث إمكانية تعديل أو تطبيق «اتفاق أضنة» للعام 1998 الذي تعتبره روسيا أفضل حل للخلاف بين دمشق وأنقرة.
وفي نفس الوقت تريد موسكو أن تبحث مع دمشق وأنقرة وقوات سوريا الديمقراطية خطوط التماس بين الأطراف المتنازعة.
في هذه الأثناء، تخشى بعض الأوساط السورية المعارضة من مساومة جديدة بين موسكو وأنقرة على حساب مناطق غرب وجنوب إدلب وذلك في سياق وضع اللمسات الأخيرة على مناطق نفوذ وتقسيم واقعي وفق الأمر الواقع بانتظار الحل النهائي للمسألة السورية.

قد يعجبك ايضا