لم يكن التنافس بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وليد الأزمة السورية، بل شهدت منطقة الشرق الأوسط أثناء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي أو بين القوتين العظميين الاتحاد السوفييتي قبل تفككه، والولايات المتحدة الأمريكية تنافساً ملحوظاً، لما تتمتّع به المنطقة من أهميةٍ كبيرة في السياسة الدولية باعتبارها قلب العالم ومحور استقطاب للقوى العالمية.
وفي هذا الصدد وصلت حدة التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط إلى مستوىً غير مسبوق، سيما بعد تفجّر الأزمة في سوريا سنة ألفين وإحدى عشرة، حيث تسعى كل من واشنطن وموسكو لتحقيق مصالحهما سواء الإستراتيجية أو الاقتصادية أو الجيوسياسية، لا سيما في سوريا والعراق أو كما يعرف بمنطقة الهلال الخصيب.
ويذهب الكثير من المراقبين إلى أن التنافس والنزاع أو حتى الحروب بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في أي من القضايا لا تكون حروباً مباشرة، بل تكون في ساحات أخرى خارج أراضي الدولتين، كالحال في الأزمة السورية ومعظم الحروب في الشرق الأوسط، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن العلاقات بين الطرفين من الممكن أن تتحسن مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من تصعيد إسرائيلي غير مسبوق، وتأثيراته على مجريات الأحداث في المنطقة.
ففي سوريا تتحدث التقارير عن إمكانية إبقاء العلاقات الروسية الأمريكية على ما هي عليه مع مراعاة مصالحهما في المنطقة أقله في المدى المنظور، لا سيما مع وجود مصلحة لإسرائيل حليفة واشنطن في بقاء القوات الروسية في سوريا كعامل ضغط على الوجود الإيراني، حيث تشير معلومات مسربة إلى أن هناك اتفاقاً أُبرم بين تل أبيب وموسكو يتضمن مراقبة الأخيرة لأداء الحكومة السورية لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله عبر سوريا، بحسب الرواية الإسرائيلية.
وفي السياق ذاته يشير محللون إلى أن ما تطرحه إسرائيل من خلال استغلال الوجود الروسي في لعب دور المراقب إن كان على أداء الحكومة السورية، أو على ما يدخل من الحدود العراقية – السورية، وصولًا إلى لبنان، قد يكون ورقة رابحة لتل أبيب في الضغط على واشنطن لتحسين العلاقات مع موسكو أقله في سوريا.
ويقول مراقبون إن الموقف الروسي من فوز “ترامب” يعكس تفاؤلًا ورغبةً حذرة في تحسين العلاقات بين الطرفين، وإن الموافقة الروسية على مشاركة إسرائيل فيما يخص منع تهريب الأسلحة إلى حزب الله اللبناني وتجنب الاصطدام مع واشنطن في سوريا لا سيما في ظل حرب أوكرانيا، تنطلق من دبلوماسيتها الخارجية، حيث تدرك موسكو أنّ إقفال الباب نهائيًا في وجه الغرب يعني قطيعة ستذهب بها حتمًا نحو الصدام المباشر، ما يعكس حذرًا عميقًا في ظل مستقبل مجهول للعلاقات بين البلدين.