الشرق الاوسط: المدينة التي دعت أردوغان إلى دفع الفاتورة

المدينة التي دعت أردوغان إلى دفع الفاتورة

الكاتب: سليمان جودة

كأن الحكيم السياسي الذي أطلق عبارة تقول، إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، كان الله قد كشف عنه حجاب المستقبل، فبدا أمامه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حاكماً في أنقرة، ينفرد بشؤون الحكم في بلاده، ويتصرف في شؤونها كما يحب ويرضى، ويروح ويجيء، ويضع ويرفع، دون انتباه إلى أن البدايات في مثل حالته تشير في الغالب إلى النهايات!
بدت إسطنبول متمردة على الرئيس الذي كان عمدة على قمتها ذات يوم، وبدت رافضة للمرشح يلدريم الذي اختاره أردوغان بنفسه لخوض السباق، معتقداً أن مدينته لا تزال على ولائها القديم له، وبدت راغبة في أن تتخلص من وصايته عليه، وبدت قادرة على أن تبعث إليه برسالة مسجلة بعلم الوصول تقول ما معناه أنها لم تتحول في مزاجها العام إزاءه، ولكنه هو الذي تبدل وتحول في علاقته معها ومع تركيا كلها!
وكانت كلمة الديمقراطية الموضوعة بين هلالين، هي السبب غير المعلن الذي جعل إسطنبول تنقلب على عمدتها القديم، فلقد كان منذ البداية قد أعلن إيمانه بالديمقراطية طريقاً إلى الحكم، ولكن تجربة الشعب التركي معه كشفت عن أن إيمانه صحيح، ولكنه إيمان بالديمقراطية التي تصل به هو إلى الحكم، ولا تصل بسواه، فإذا ما وصلت بغيره سحب إيمانه بها، ولم يعد يعتقد فيها، ولا يحبها، ولا يفضل اللعب معها، ولا يحترم قواعدها المتفق عليها في العالم، لقد آمن بالديمقراطية التي تأتي بمرشحه هو إلى منصب العمودية في المدينة.
ولم ينتبه كثيرون منا إلى أن التعديل الذي أجراه على الدستور، ليجعل نظام الحكم نظاماً رئاسياً خالصاً، لا برلمانياً رشيداً، كان هو الخطوة الأولى الكاشفة مبكراً، عن حقيقة قناعته في مسألة الديمقراطية، ولا انتبه الذين يتابعون أداءه في السلطة، إلى أن انتخابات الرئاسة في الصيف الماضي، قد جعلت منه رئيساً فوق المساءلة، بعد أن كان مسؤولاً كرئيس حكومة أمام البرلمان!
وكما يقول أهل المنطق، فإن انتقاله من موقع رئيس الوزراء المسؤول أمام البرلمان، إلى موقع الرئيس المنفرد بالقرار، يبدو عند مقارنته بموقف حزبه من انتخابات بلدية إسطنبول، بمثابة المقدمات التي تؤدي إلى نتائجها الطبيعية، ولكنه لم يكن ينتبه إلى أن المدينة الأكبر في بلاده كانت تراقب خطواته، وتريد أن تدعوه عند أول استحقاق انتخابي إلى دفع الفاتورة!

قد يعجبك ايضا