الشرق الأوسط: اللعبة الخطرة في سوريا

البلبلة التي أثارتها تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذا الأسبوع، وتداعياتها بشأن العملية العسكرية التركية للتوغل في شمال سوريا، ليست سوى فصل جديد في سلسلة فصول التخبط الأميركي إزاء الأزمة السورية.
هذا التخبط أسهم في تعقيد الأزمة في مراحلها المختلفة، بل كثيرا ما صبَّ الزيت على النار المشتعلة من خلال خطوات خاطئة، أو رسائل مبهمة.
الانتقادات لترمب امتدت إلى أوروبا التي تشعر بالقلق من أن تؤدي العملية التركية إلى مواجهات واسعة مع الأكراد، وإلى زعزعة الأوضاع في الشمال السوري بما يؤدي إلى اندلاع أزمة لاجئين جديدة.
الأخطر من ذلك أن يؤدي القتال والاضطرابات في المنطقة إلى هروب مقاتلي «داعش» المعتقلين لدى الأكراد ويقدر عددهم بنحو عشرة آلاف بينهم نحو ألفي أجنبي.
حتى الآن من غير الواضح ما هي حدود التوغل التركي التي تراها أميركا «مناسبة».
فبعدما تسرب في أغسطس (آب) الماضي أنه تم الاتفاق على إقامة منطقة عازلة بطول ثلاثة أميال على الحدود الشمالية السورية – التركية تصبح نواة «منطقة آمنة» تسمح بعودة نحو مليوني لاجئ سوري من تركيا، تريد أنقرة الآن التوغل نحو 30 ميلاً داخل الحدود السورية والسيطرة على مدن كردية من بينها كوباني والقامشلي.
كما تحدث إردوغان من قبل عن توغل أعمق في سوريا يتجاوز «المنطقة الآمنة» المقترحة إلى مدينتي الرقة ودير الزور من أجل السماح لمزيد من اللاجئين بالعودة إلى سوريا.
فأنقرة تفكر كما يبدو في تغيير التركيبة الديموغرافية لشمال شرقي سوريا وإضعاف المكون الكردي فيها ما قد يفتح الباب أمام مواجهات واضطرابات عرقية تمتد لعقود.
ما تفعله تركيا ليس «إعادة توطين» للاجئين السوريين، بل «إعادة تهجير».
إذا افترضنا أن تغريدات ترمب الأخيرة جاءت في إطار غياب استراتيجية أميركية واضحة تجاه الأزمة السورية، فإن تكلفة التخبط الذي صاحب سياسات واشنطن لم تكن جلية كما هي اليوم.
لكن أن تغادر القوات الأميركية فجأة وتترك الباب مواربا أمام تركيا، لكي تتوغل في الشمال السوري، وتعمل لتنفيذ مشروع «المنطقة الآمنة» العازلة، فإنها تضع المنطقة أمام سيناريوهات إقليمية ودولية مقلقة، بدءاً من مواجهات عسكرية دموية محتملة بين أكراد سوريا والقوات التركية وحلفائها، مرورا بأزمة لاجئين دولية جديدة، واحتمال عودة خلايا «داعش النائمة» من بياتها الشتوي وهروب عشرات الآلاف من معتقليها في السجون والمعسكرات التي يديرها أكراد سوريا، وانتهاء بتغييرات ديموغرافية تكون عنوانا لاضطرابات تستمر عقوداً.