السوريات بين سياسيات حزب البعث وذكورية سلطات الأمر الواقع
لم تمرَّ أيامٌ قليلة على سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي انهار بشكل سريع حتى سيطرت هيئةُ تحرير الشام على السلطة في البلاد، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات في الشارع العام، وخاصة الأوساط الإعلامية والنسوية، حول مصير المرأة السورية ودورها في السياسة والمرحلة القادمة والمستقبل القريب وكيفية حماية حقوقها والمكتسبات التي حققتها خلال السنوات الماضية بجهودها وإرادتها وعزيمتها، وذلك رغم تعرضها للعديد من السياسات القمعية على يد سلطات حزب البعث طوال 62 عاماً.
إلا أنَّ ردَّ هيئة تحرير الشام على تساؤلات الشارع السوري لم يتأخر كثيراً، فقد خرج المتحدث الرسمي باسم الحكومة المؤقتة عُبيدة أرناؤوط، على قناة الجديد اللبنانية، وأدلى بتصريحات نارية حول دور المرأة وطبيعة عملها من الآن فصاعداً، وقال بأن المرأة لا تصلح بأن تتقلد بعض المناصب القيادية والإدارية كوزارة الدفاع والقضاء، وبعض المجالات الأخرى، زاعماً بأن كينونة المرأة وطبيعتها البيولوجية لا تسمح بذلك، إلا أنه عبر عن البنية الذهنية الذكورية لجميع الذين يقودون الحكومة السورية المؤقتة، من خلال كل تلك الذرائع والحجج غير الصحيحة والتي لا أساس لها من المنطق.
في الحقيقةِ الرسائل التي أراد الأرناؤوط إرسالها للجميع وعلى وجه الخصوص المرأة السورية أن المرأة مكانها البيت وتربية الأطفال ورعاية الأسرة والتربية والتعليم، وإبعادها عن النشاط السياسي وبالتالي الأدوار والمناصب القيادية ومراكز صنع القرار السياسي في كافة الهيئات والوزارات واللجان والمؤسسات الحكومية، جميع التصريحات التي أدليت بها حتى الآن حول دور المرأة تنذر بمخاطر كبيرة على حياتها ومصيرها في المستقبل القريب في ظل التطورات المتسارعة التي تمر بها سوريا حيث هناك بوادر عن اندلاع حرب طائفية وأهلية تلوح في الأفق، وبالتالي سيكون للمرأة حصة الأسد منها؛ لأنها مغتصبة الحقوق وحددت لها الأدوار.
ليأتيَ بعدها بأيام تعيينُ عائشة الدبس كرئيسة مكتب شؤون المرأة في الحكومة السورية المؤقتة التي بتصريحاتها زادت الطين بلة بعد أن قالت بعبارتها التي أثارت استاءً كبيراً بين الجميع، قائلةً: “لن أفتح المجال لمن يختلف معي بالفكر”، الأمر الذي فتح الطريق أمام العديد من السيناريوهات حول حياة النساء في البلاد.
خاضت المرأة السورية وعلى مختلف مشاربها نضالاً مريراً من أجل حقوقها السياسية والاجتماعية والثقافية وانتزاع حريتها داخل البلاد وخارجها ولعبت دوراً كبيراً في العديد من المؤسسات والمجتمعات واللجان التي تمحور نضالها ووجهودها حول تمكين المرأة ودورها في الحياة السياسية، إلا أنها اليوم في خطر؛ حياة المرأة في خطر ومصيرها غير واضح في ظل ما تعيشه سوريا من متغيرات وتحولات حقيقية على الصعد كافة. وخاصة محاولات فرض الحجاب الإجباري من قبل فصائل الهيئة.
على الجميع وخاصة النساء السوريات العمل والخروج إلى الشوارع للمطالبة بدولة مدنية تقوم على تمثيل جميع المكونات في خضم التحولات السياسية الكبرى التي تشهدها البلاد والمخاوف من تصريحات متتالية بشأن التراجع عن حقوق المرأة وفرض الوصاية عليها. كما يجب على المرأة حماية مكتسباتها والعمل من أجل توسيع جهودها أكثر في المرحلة القادمة.
إذا لم تناضل المرأة السورية وتوسع دائرة نضالها وجهودها المشتركة فإننا أمام نموذج جديد في المنطقة وهو النموذج الذي تطبقه حركة طالبان ضد المرأة في أفغانستان، بدءاً من عدم خروجها من منزلها إلى كسر إرادتها وصولاً إلى منعها من التعليم والعمل في الدوائر والمراكز الحكومية.
على المرأة السورية إيجاد آلية عمل مشتركة في كافة المحافظات السورية والتأكيد على مطالبهم وحقوقهن الأساسية بدءاً من السياسية إلى القضاء والدفاع؛ لأن المرأة السورية قادرة على أن تكون عنصراً فعَّالاً أكثر من أي وقت مضى للعب دورها الريادي في المجتمع ورفع صوتها في كافة المحافل والتعبير عن ذاتها من خلال المشاركة في الحكومة الانتقالية إلى كتابة الدستور إلى الترشح للانتخابات وجميع المجالات التي تطلب منها والعمل دون كلل أو ملل.
الكاتبة: هيفيدار خالد