السلمية السورية ما بين الواقع والمجهول

تُعتبر مدينة السّلَمية تاريخياً موطن الطائفة الإسماعيلية في سوريا، وهذه الطائفة تُشكل 65 بالمئة من نسبة السكان هناك، بينما تبلغ نسبة المسلمين السنة حوالي 25 بالمئة، مع وجود أعدادٍ من البدو وأقليّة علوية لا تزيد عن 3 بالمئة استوطنت منطقةً “ضهر المغر” المرتفعة على أطراف المدينة مع وصول عائلة الأسد للسلطة في سوريا، يبلغ عدد سكان السلمية حوالي 200 ألف نسمة، أي ما يقارب 1%من إجمالي سورية.

ويُروّج النظام السوري باستمرار بأنه “حامي الأقليات” في سوريا، في رسالة متكررة للتخويف من المصير المنتظر لهذه المجموعات في حال سقوطه، لكن هذه الدعاية واجهت رفضاً شديداً من الأقليات وبخاصة أبناء الطائفة الاسماعلية.

موقف أبناء السلّمية من الأزمة السورية:

تسببت مدينة السلمية التي تقع إلى الشرق من مدينة حماه في وسط سوريا، بحرج كبير لنظام  بشار الأسد، فالمدينة التي يتحدر معظم ساكنيها من الطائفة الإسماعيلية، وهي أقلية دينية في سوريا، انتفضت منذ بدء أولى التحركات الاحتجاجية في درعا بتاريخ 16 آذار2011 مشاركةً بقوة في الحراك السلمي.

 

– 25-03-2011 شهدت السلمية أول مظاهرة ضد نظام الحكم، حيث تحشدت السلطات الأمنية  لمحاولة قمع المظاهرات وإطفائها في بدايتها، لكن جاءت النتيجة عكسية و تصاعدت وتيرة الحراك “الثوري”، و خاصة المظاهرات حتى بلغت ال2000 في صيف ال2011 – وهو رقم كبير إذا ما قيس بعدد سكان المدينة، كما أن الحراك الثوري اتخذ مظاهر عدة فعدا المظاهرات والاعتصامات، مدت السلمية عبر أبنائها جسوراً من المعونات للمناطق المحاصرة والمتعرضة لأعمال عسكرية وأمنية قمعية، حيث أوصلوا أبنائها بعمليات فدائية المساعدات الطبية والغذائية للمناطق المنكوبة في محافظتي حماة وحمص وغيرها، وقد كلف ذلك المدينة العديد من القتلى و الجرحى و المعتقلين من أبنائها, كما فتحت المدينة أبوابها للنازحين من المناطق المحيطة ومختلف المحافظات السورية، والذين أقبلوا على دفعات كبيرة، حتى بلغت أعدادهم قرابة ال150 ألف.

 

العصابات تحكم الإسماعيليين:

أما الآن فباتت المدينة خارجة تماماً عن سيطرة النظام، ومحكومة من قبل أفراد وعوائل تنظم تحت اسم ما بات يعرف بالدفاع الوطني، وكتائب “صقور الصحراء” إحدى ميليشيات النظام في ريف حماه، ولا يستطيع أي شخص تجاوز خطوطها أو قراراتها، حتى أجهزة المخابرات السورية, بالإضافة لعائلة “آل سلامة”  وهي من أشهر العوائل الموالية للنظام في المنطقة، لا يقتصر عملها على حفظ “الأمن الداخلي” في السلمية، بل تمارس العمل المافيوي البحت، من سرقة ما يحلو لها وعمليات خطف وابتزاز وقتل، وشراء عقارات بأرخص الأسعار وعمليات تهجير ممنهجة بحق المعروفين في مناهضتهم للنظام السوري، يصولون ويجولون دون أي رادع، وفق شريعة الغاب التي تحكم بها السلمية، أن مجمع هذه العصابات أعطاها نظام البعث الضوء الأخضر لحكم المدينة  مما حولها لسجن كبير معزول عن العالم الخارجي، ومغيبة بشكل تام عن الإعلام الموالي والمعارض .

 

النظام يهدد الاسماعليين بورقة داعش:

في 9\1 \2014أطلقت ” تنسيقية السلمية ” في ريف حماة الشرقي، نداء استغاثة عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، محذّرةً أن التحركات العسكرية لقوات النظام وتنظيم داعش الارهابي في تلك المنطقة، تشير لوجود تواطؤ من طرف النظام لتسهيل الأمور لداعش، كي يقتحم المدينة التي عجز الأسد حتى الأن دفع أبنائها كي يناصبوا العداء للمعارضة.

وأفادت التنسيقية عن وصول تعزيزاتٍ عسكرية كبيرة لداعش في منطقة (جب الجراح) و(عقيربات) إلى الشرق من المدينة، بينما قام النظام السوري بسحب السلاح الثقيل من كتيبة المدفعية في قرية (برّي)، ومستودعات الجبال الغربية، وباقي النقاط العسكرية في المنطقة لتصبح طريق داعش إلى ” السلمية ” مفتوحةً في حال قرّر التنظيم أن يبدأ الهجوم.

ونشرت التنسيقية أن أهالي السلمية أدركوا الخطر الداهم، فقصد وفد من وجهاء المدينة العاصمة دمشق، والتقوا رئيس النظام بشار الأسد ليطلبوا منه إعادة تعزيز قوات الجيش حول السلمية لحمايتها من خطر تقدم داعش.

لكن الأسد رفض مطلب الوفد، بحسب التنسيقية، بل عيّر الوفد بحقيقة أن 24 ألف من أبناء السلمية هم بحكم الفارّين من الخدمة الإلزامية. واستهزأ الأسد بالوفد قائلاً: “ليحمل هؤلاء الفارّين السلاح ويدافعوا عن مدينتهم”.

ماهو السبب في حياد السلمية بعد انتفاضتها المبكرة:

إن تبعية أغلب فصائل ما سُمي الجيش الحر لتركيا- قطر أو السعودية بالإضافة لظهور التنظيمات المتطرفة وسعيها لنشر ايديولوجيتها كجبهة النصرة وتنظيم داعش الذي لا تبعد سكاكينه عن المدينة سوى القليل بالإضافة لتحكم القاع المجتمعي التابع للنظام وهو ذاته الأن خارج عن بيت الطاعة الأسدي وينفذ وينكل ما يحلو له بأبناء المدينة بحجة الدفاع عنهم.
كل ذلك ساهم في ظهور الطبقة “الرمادية” الحيادية في صفوف أبناء المدينة، وهي طبقة ترى في كل من “المعارضة” والنظام وجهان لعملة واحدة، ولذلك باتت القاعدة الشعبية تحجم عن التطوع في أي تشكيل مسلح، سواء ذاك التابع للنظام أو للمعارضة.

ويبقى السؤال مطروح هل يفكر المجتمع الدولي بإنقاذ أبناء السلمية وتأمين حماية دولية تنجيهم من ابتزاز النظام وميلشياته وخطر التنظيمات المتطرفة على حياتهم.
 

 

شادي محمد

 

قد يعجبك ايضا