السعودية ودورها المحتمل في إطلاق مسار الحل السوري
بين الظل والعلن: خارطة الصراع السوري
لطالما كان ما يُصاغ في الظل داخل سوريا أكثر تأثيرا من التصريحات العلنية. فجنوب البلاد، على سبيل المثال، يعيش حالة من “الهدوء الحذر”؛ لا هو سلام دائم، ولا هو اشتعال شامل. هو أقرب إلى هدنة صامتة غير معلنة، تُدار وفق تفاهمات مباشرة بين أنقرة وتل أبيب، كلٌّ لأسبابه الخاصة. وعلى الرغم من أن الجنوب لا يزال ضمن الجغرافيا السورية رسميا، إلا أنه حُيِّد عملياً كمنطقة تماس خارجة عن القرار المركزي.
شرق الفرات
وفي المقابل، لا يقلّ مشهد شرق الفرات تعقيداً، وإن اختلف في طبيعته. لم يعد الأمر هناك مجرّد فراغ سيادي، بل نشأت منظومة حاكمة تمتلك مؤسسات أمنية واقتصادية وإدارية، تفرض وجودها وحققت نجاحاً لافتاً رغم التحديات. تجاهل هذا الكيان أو السعي لإسقاطه بالقوة لم يعد خيارا قابلا للتطبيق، بل مقامرة خاسرة مسبقاً.
سؤال اللحظة: من يجمع الأطراف السورية؟
أمام هذا التفتت السياسي والميداني، يبرز سؤال جوهري: من الطرف القادر على جمع خيوط المشهد السوري المتناثر، وإطلاق حوار وطني لا يُقصي أحدًا؟ من يملك من الرصيد السياسي والاحترام المتبادل ما يكفي للعب دور الوسيط النزيه؟ بشكل متزايد، تتجه الأنظار نحو المملكة العربية السعودية.
لماذا الرياض؟
ما يُميز السعودية في هذا السياق، أنها تموضعَت على مسافة واحدة من مختلف الأطراف السورية. حافظت على قنوات مع دمشق، وبنت علاقات هادئة مع القوى الكردية في الشمال الشرقي. كما أن مساعداتها الإنسانية لم تكن مشروطة، ولم تُوظّف في صفقات سياسية، بل التزمت بإطار أخلاقي نادر في ملف متخم بالرهانات.
إعادة دمشق إلى الواجهة
نجحت الرياض فيما عجزت عنه قوى كبرى: كسر العزلة السياسية عن دمشق وإعادة دمجها في المحيط العربي والدولي ورفع العقوبات المفروضة عليها. واليوم، بعد هذا الاختراق، تبدو الخطوة الطبيعية التالية هي التوجه نحو الداخل السوري، حيث الحاجة ملحّة لمصالحة وطنية تنتشل البلاد من الجمود والانقسام.
نحو “طائف سوري”: مبادرة لا وساطة
ما يُطرح ليس وساطة تقليدية تجري خلف الأبواب المغلقة، بل مبادرة عربية شاملة تُنظمها الرياض، تجمع ممثلي الحكومة السورية، وقوات سوريا الديمقراطية، ومكوّنات الشعب السوري على طاولة واحدة. الهدف ليس إعادة إنتاج ماضٍ أو تكريس محاصصة، بل إطلاق حوار واقعي ينطلق من الوقائع القائمة، لا من الأمنيات.
شرق الفرات: فرصة لا عبء
وجود السعودية في ملف شرق الفرات يمكن أن يمنح طمأنينة حقيقية لمكونات الإدارة الذاتية، خصوصاً الكرد، الذين يثقون بالحضور العربي الذي يضمن حضورهم في الدولة من دون عزل أو إقصاء. وربما حان الوقت لإعادة النظر إلى شرق الفرات، لا كعبء سيادي، بل كفرصة لبناء تجربة سياسية قابلة للتوسيع لاحقاً على بقية الجغرافيا السورية.
غير أن نجاح هذه التجربة مشروط بوجود طرف ثالث يملك مزيجًا من الثقة والعقلانية والحضور العربي المتماسك وهي شروط تنطبق بوضوح على السعودية.
ختاما: الحل يولد من بيتٍ عربي
في لحظة إقليمية تعيد فيها كل الأطراف ترتيب أوراقها في سوريا، تبرز الرياض بوصفها الطرف الأقدر على إطلاق مسار سياسي جاد. فالحلول لا تُصاغ دائماً في أنقرة أو واشنطن أو تل أبيب، بل قد تولد من بيتٍ عربي يتقن فن البناء، لا فنّ الهيمنة.
بقلم محمد هويدي باحث سياسي سوري مقيم في السعودية