السعودية وإسرائيل.. سلام مع وقف التنفيذ
المكانة التي تحتلها السعودية في الوجدان العربي لا ينكرها عاقل، فهي صاحبة الاقتصاد الأقوى، وهي كذلك التي تمسك العصا من المنتصف في عديد الملفات العربية الشائكة، وكذلك لها مكانة دينية لدى أكثر من مليار شخص حول العالم, وليس العالم العربي فقط.
ويعلم الساسة في الولايات المتحدة وإسرائيل كذلك، أن للسعودية دوراً مؤثراً على محيطها الإقليمي والعربي، وهو ما دفعهم منذ زمن لتوقيع اتفاق تطبيع بين تل أبيب والرياض، والذي زاد الحديث عنه في السنوات الأخيرة، بعد توقيع إسرائيل الاتفاقيات الإبراهيمية مع الإمارات والبحرين عام 2020.
إلا أن السعودية لم يختلف حديثها الرسمي منذ ذلك الحين وحتى الآن، فهي تعلن رغبتها في التطبيع مع إسرائيل بهدف النهوض بالمنطقة، إلى جانب مكاسبَ سياسيةٍ واقتصاديةٍ إستراتيجية، إلا أنها ربطت تطبيعها مع إسرائيل بعدة شروط، تتناقض تماماً مع رؤية الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو.
الشروط السعودية للتطبيع تتلخص بإقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك وقف الحرب في قطاع غزة، وانسحاب أفراد قوات الجيش الإسرائيلي كافةً من القطاع.
وكما قلنا سابقاً فإن هذه الشروط مرفوضة جملةً وتفصيلاً من قبل نتنياهو الذي يرفض الحديث عن حل الدولتين، كما أكد أكثر من مرة أن الحرب مستمرة في قطاع غزة، إلى أن تتحقق أهداف إسرائيل منها وهي الإفراج عن الرهائن، والقضاء على حركة حماس.
أما الوسيط بين الجانبين، الولايات المتحدة الأمريكية فأكد وزير خارجيتها أنتوني بلينكن أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ما يزال راغباً بعقد اتفاق تطبيع بين بلده وإسرائيل، لكن مع تشديده على إنهاء الحرب في غزة، كما أكد بن سلمان على وجوب وجود تسوية واضحة وذات مصداقية ومسار محدد زمنياً لإقامة دولة فلسطينية.
وتضع السعودية شروطاً أخرى للتطبيع، من بينها حصولها على ضمانات أمنية من واشنطن ومساعدتها في تطوير برنامج نووي مدني، وهو ما يضع إشارات استفهام كبيرةً على توقيت الهجوم الذي شنته حركة حماس على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بدعم من إيران وفق السلطات الإسرائيلية.
وكانت السعودية قد تقدمت بـ “مبادرة السلام العربية” التي أطلقها الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، في القمة العربية في بيروت عام 2002، عندما كان حينها ولياً للعهد، وتهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية وعودة اللاجئين والانسحاب من الجولان السوري، والأراضي التي مازالت محتلةً في جنوب لبنان، مقابل السلام مع إسرائيل.
وإذا استجابت إسرائيل لتلك المطالب فعندئذ تعتبر الدول العربية النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً، وتدخل في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة، حسبما جاء في نص المبادرة.
فهل تنجح واشنطن في تقريب وجهات النظر بين تل أبيب والرياض، والوصول إلى اتفاق تاريخي بين البلدين، أم أن الوقائع على الأرض ستفرض شروطاً جديدةً للتفاوض، تفرض التنازل من قبل أحدهما أو كليهما عن بعض من مطالبه، والتحلي بالشجاعة لتحقيق السلام.