مدينة دخلت التاريخ من بابه العريض، سطرت اسمها بحروف ذهبية، لتنال وبكل جدارة لقب مدينة الصمود، ففيها كُتب السطر الأول في كتاب هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، وفيها خُلدت مقاومة بطولية عُرفت باسمها، إنها كوباني، التي بقت عصية على التنظيم الإرهابي، ولم تدخل في قائمة المدن المتشحة بالسواد يوما ما.
ففي مثل هذا اليوم من عام 2014، بدأ تنظيم داعش الإرهابي أولى هجماته على المدينة التي كان سكانها قد أعلنوا قبل أشهر تشكيل الإدارة الذاتية فيها، والتي كانت مهداً لشرارة ثورة التاسع عشر من تموز/ يوليو 2012.
هجمات التنظيم الإرهابي جاءت في وقت كان يسيطر على مساحة واسعة من الأراضي السورية، وكان يملك من السلاح الكثير الكثير عقب سيطرته على مخازن السلاح في مدينة الموصل شمالي العراق، ناهيك عن إمدادات إضافية كانت تصله من النظام التركي عند الحاجة واللزوم.
وقبل الوصول إلى تخوم كوباني ارتكب عناصر التنظيم الإرهابي العديد من الانتهاكات والجرائم بحق سكان القرى والبلدات الذين فروا من بطشهم.
المواجهة بين العناصر الإرهابية من جهة ووحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة من جهة أخرى لم تكن متكافئة القوى بالمنظور العسكري، فالتنظيم الإرهابي بدأ هجماته بقصف مدفعي، قبل أن يحاصرها من ثلاث جهات، أما الجيش التركي فيراقب التطورات من الجهة الشمالية للمدينة على أمل سقوطها في شرك الإرهاب المدعوم من قبله.
شوارع مدينة كوباني وأزقتها شهدت ملاحم بطولية من مقاتلي وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، والذين قدموا أرواحهم فداء لصمود المدينة، وكان لهم ذلك، ففي السادس والعشرين من كانون الثاني يناير عام 2015، هُزم التنظيم الإرهابي وجر عناصره أذيال الخيبة خلفهم، لتبدأ من لحظتها كتابة الفصل الأخير من عمر داعش في سوريا.
المقاومة الملحمية التي سطرها مقاتلو ومقاتلات وحدات حماية الشعب والمرأة، دفعت منظمات وشخصيات دولية ومحلية لإطلاق حملة على مستوى العالم للتضامن مع مقاومة كوباني، كيف لا وهؤلاء المقاتلون وقفوا بوجه الإرهاب نيابة عن العالم قاطبا، من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه، واتفقوا على الأول من تشرين الثاني نوفمبر ليكون ذلك اليوم فيما بعد مناسبة للتذكير بالمقاومة الباسلة والصمود التاريخي لقلة قليلة من المقاتلين والمقاتلات أبوا الخروج من المدينة إلا وهم منتصرون.
اليوم وفي الذكرى العاشرة لبداية الهجوم الإرهابي على مدينة كوباني، ما زالت المدينة في مرمى الخطر القادم من الشمال، فالنظام التركي وبعد فشل مشروعه المتمثل بداعش، يحاول بين الفينة والأخرى إعادة التنظيم للحياة من جديد، فتارة يحتل مدناً في شمال وشرق سوريا ويجعلها مأوى للإرهابين، وتارة أخرى يستهدف مراكز احتجازهم بهدف تأمين هروبهم منها.
فكم من مرة هُددت المدينة بالاحتلال من قبل مسؤولي النظام التركي، وكم من مرة تعرضت أحياؤها وقراها لاستهداف طيرانه المسير، وفي كل مرة، يزداد صمود أهاليها، مجددين العهد على حمايتها من شر الأعداء والغزاة.