كانت منطقة الشرق الأوسط، وما زالت، حُبلى بالأحداث التي يصل تأثيرُها إلى شتى أنحاء العالم، فما بالكم بمَن هُم في قلب هذه المنطقة، التي تُعد منطقةً استراتيجية، تتصارع عليها دولٌ عُظمى وقِوًى إقليميةٌ في سبيل زيادة النفوذ والسطوة.
منذ تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، يعيش الشرق الأوسط واقعاً جديداً، عقب هجوم حركة حماس الفلسطينية على إسرائيل. هجومٌ غيّر قواعدَ اللعبة بين الجانبين، لتتعهّد تل أبيب بالقضاء على حماس في قِطاع غزة، ولم تكتفِ بذلك فقط، بل وجّهت بوصلتها نحو الشمال، وبدأت باغتيالاتٍ متتاليةٍ لقادة حزب الله اللبناني، وبِنيته التحتية في عموم لبنان، وفي جنوبه بشكلٍ خاص.
الحرب هذه المستمرة حتى كتابة هذه السطور، تَوسَّعَ مداها وتأثيرُها لتدخلَ دولٌ أخرى على الخط، كإيران التي استهدفت إسرائيلَ بصواريخَ باليستية، ردّاً على مقتل قادةٍ في الحرس الثوري، وهو ما زاد التكهنات بدخول المنطقةِ حرباً إقليمية، يتخوف منها الجميع.
كل ما سبق، جعل من سوريا ساحةً للتجاذبات، فتحالفُ الحكومة السورية مع حزب الله وإيران، وضعها في قلب العاصفة، إلا أن نأيَ دمشق بنفسها عن الحرب الدائرة منذ أكثرَ من عام، حمل عدة تساؤلاتٍ حول مدى حقيقة مصطلح “وحدة الساحات”، الذي يتغنّى به كل مَن ينتمي لما يسمى محورَ المقاومة.
ابتعاد الحكومة السورية عن مساعدة حزب الله في حربه مع إسرائيل، فُسِّرَ من قبل مراقبين، على أنه نتيجةُ ضغطٍ روسي، لتقليص النفوذ الإيراني على الحكومة، وتفرد موسكو المطلق في المناطق التي تسطير عليها القوات الحكومية، وربما رغبةٌ حكوميةٌ في إخراج إيران من الساحة خاليةَ الوِفاض، إرضاءً للعرب من جهة، وإسرائيل من جهةٍ أخرى.
إقليم شمال وشرق سوريا، هو الآخر ليس بمنأىً عمّا يحدث في محيطه الجغرافي والجيوسياسي، فهو يواجه هجماتٍ وتهديداتٍ تركيةٍ في كل حين، إلى جانب مخططاتٍ من الحكومة السورية، لضرب استقراره في كل مناسبة، وبدون مناسبة.
حساسية الملفات الساخنة في المنطقة، وضعت سوريا، وكذلك إقليم شمال وشرق سوريا على مفترق طرق، وفي كل طريقٍ هناك الكثير من التحديات والمصاعب، التي يجب مواجهتها قبل الوصول إلى خط النهاية، والخلاص بأقل الأضرار الممكنة.
فمع تعدد اللاعبين في الساحة السورية، تزداد صعوبةُ النجاة، فتركيا في الشمال تحتل أراضيَ سورية، وتسعى لاحتلال المزيد، أما إسرائيل فالسماء السورية باتت مباحةً لها، لضرب مواقعَ تستخدمها فصائلُ مسلحةٌ مواليةٌ لإيران، التي بدورها تتغلغل في مفاصل القرار في الحكومة السورية، ولها اليد الطولى في البلاد، وفق مراقبين.
أما أمريكا وروسيا، فلهما حساباتهما المنفصلة والمتقاطعة مع الدول آنفة الذكر، والكل يسعى لنيل الحصة الأكبر من الكعكة السورية، التي وُضعت على طاولة التدويل، منذ عام 2011.
وباتت سوريا كذلك ورقةَ تفاوضٍ من بين مجموعة أوراق تمتلكها الدول المتدخلة في الأزمة السورية، تستعملها حين الحاجة، وتضعها في الظل أحياناً أخرى، وهو ما لا يروقُ للسوريين الراغبين بالانعتاق من نير الحرب، التي فتكت ببلادهم ودمرتها، منذ أكثر من عقدٍ من الزمن.