الإبادة الجماعية للإيزيديين.. 10 سنوات والمعاناة مستمرة (ملف خاص)

السلطات العراقية تعلن العثور على مقبرة جماعية في تلعفر بالقرب من الموصل شمالي العراق، تضم بحسب بعض التقديرات رفات أكثر من 1500 شخص، معظمهم إيزيديون من قضاء سنجار.

الخبر هذا بات مكرراً منذ دحر تنظيم داعش الإرهابي في العراق عام 2017، ويتردد كثيراً في نشرات الأخبار، مع تغير مكان العثور على المقبرة الجماعية، وربما بات بحكم الخبر الروتيني لدى البعض، لكنه حتماً ليس عادياً بالنسبة للإيزيديين الذين تعرضوا لإبادة جماعية على يد التنظيم الإرهابي في الرابع من آب أغسطس عام 2014.

تلك المجزرة أعادت لأذهان الإيزيديين أزمنةً غابرةً، تعرضوا خلالها لأكثر من سبعين إبادةً عبر تاريخهم، رغم جنوحهم للسلم، وعدم أذيتهم لجيرانهم، وعدم تعديهم على غيرهم مذ وُجدوا على وجه البسيطة.

المجزرة الرابعة والسبعون في تاريخ الإيزيديين وقعت في مثل هذا اليوم قبل 10 سنوات، ولا تختلف عن سابقاتها بأي شيء، إلا أن الفارق الوحيد بينها وبين تلك هو أن عمليات القتل والتهجير والسبي فيها، وثّقت إما بالكاميرات أو بشهادات الناجين الذين كانوا شهوداً على أبشع ما عرفته البشرية من إرهاب، ومن أفظع ما خبرته الإنسانية من آلام.

4 آب/ أغسطس 2014
في هذا اليوم تغيرت حياة الإيزيديين 180 درجةً، وانقلبت حالهم رأساً على عقب، وهاموا في الأرض سعياً للخلاص من الموت الذي لاحقهم من خلال عناصر تنظيم داعش الإرهابي، وكأنهم ذئاب تنهش الحملان التي لا حول لها ولا قوة.

بكل وسائل النقل وسيراً على الأقدام، خرج آلاف الإيزيديين من منازلهم ومن قراهم محملين بالخيبة، مذعورين من فكرة أنهم يُقتلون فقط لأنهم مختلفون عن الآخر، نزحوا عن دورهم في أرتال ملتوية، توجهوا نحو جبل سنجار، فهو ملجأهم في كل محنة، وكأنهم أسراب طيور مهاجرة، ينشدون الخلاص فيه.

متحملين قيظ الصيف، تلحف الإيزيديون في أيام عديدة سماء سنجار التي توسطها قمر شهر شوال، راجين الخالق النجاة والفرج، الذي جاءهم مدداً بعد حين، مع وصول مقاتلي وحدات حماية الشعب من شمال وشرق سوريا، فاتحين ممراتٍ آمنةً لمرور الإيزيديين المحاصرين ممن نجوا من براثن الإرهاب الداعشي، نحو مناطق أكثر أمناً لهم في شمال وشرق سوريا وإقليم كردستان.

ومع صعوبة إحصاء خسائر الإيزيديين في ذلك اليوم، إلا أن معظم التقديرات ترجح أن الإبادة الجماعية هذه تسببت بمقتل 5 آلاف إيزيدي، واختطاف 10 آلاف آخرين، وتشريد 400 ألف في دهوك وأربيل وزاخو، فضلاً عن تعرض 1500 امرأة للاغتصاب الجماعي، وبيع منهم 1000 سبايا في سوريا والعراق، بينما نشر تنظيم داعش الإرهابي فيديو يقول فيه إن المئات من الإيزيديين اعتنقوا الإسلام، ويظهر مجموعة منهم تردد الشهادة وتصلي وهم محاطون بعناصر التنظيم الإرهابي.

هذه هي الخطوط العريضة للإبادة الرابعة والسبعين التي تعرض لها الإيزيديون في تاريخهم، أما تفاصيلها فهي صعبة التوصيف والشرح، إذ قصة كل فتاة مخطوفة هي مأساة بحد ذاتها، وحكاية كل أم مكلومة بأولادها هي فاجعة تزيد المشهد القاتم قتامةً أخرى.

آلام الإيزيديين لم تنته مع تحرير سنجار من براثن الإرهاب الداعشي في تشرين الثاني نوفمبر عام 2015، فما تزال ذكرى آلاف الضحايا مرسومةً في الأزقة، وحالات استعباد النساء والأطفال حاضرةً في الأذهان، كما أن تدمير قرى ومجمعات لمئات الآلاف من السكان المحليين بقي شاهداً حياً على الإبادة الجماعية بحق الإيزيديين.

وبعد عقد من الزمان، لا يزال العديد من الضحايا في عداد المفقودين، ويعيش الآلاف الآن في مخيمات للنازحين في ظروف غير مستقرة وغير صحية.

كما أن خطط إعادة الإعمار تسير بوتيرة بطيئة، في ظل عدم وجود رغبة حقيقية لإعادة الإعمار من قبل الحكومة العراقية التي لم تكن عادلةً في توزيع الأموال المخصصة ضمن صندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة الذي تأسس وفقاً للمادة (28) من قانون الموازنة الاتحادية لسنة (2015).

ومنذ ذلك الحين يطالب الإيزيديون بتوزيع عادل للأموال بما يتناسب مع حجمهم السكاني والضرر الذي لحق بهم.

وفي ظل سعيهم لتحقيق الحياة الكريمة والعدالة، يسعى الإيزيديون أيضاً للحصول على الدعم القانوني والاجتماعي والنفسي لضحايا الإبادة الجماعية.

كما يأملون في عودة الاستقرار لسنجار وإعادة إعمار البنية التحتية وتعزيز التنمية الاقتصادية مما سيوفر الظروف الملائمة لعودة بقية النازحين وعودة الحياة إلى طبيعتها.

في عام 2016 وصفت لجنة تحقيق مستقلة بالأمم المتحدة ما حدث في سنجار بالإبادة الجماعية، وفيما بعد توالت الاعترافات الدولية التي بدأتها ألمانيا عام 2021، ولتلحق بها دول أوروبية أخرى وتحذو حذوها.

وجميع الاعترافات أقرت بأن الإيزيديين هم ضحايا إبادة جماعية على يد تنظيم داعش الإرهابي.

10 سنوات مرت على الفاجعة، وآلاف الإيزيديين المفقودين ما زالوا مجهولي المصير بالنسبة لأحبائهم، الذين يتهم بعضهم الحكومة العراقية بالتقصير في ملف المفقودين، لأنها لم تعمل كما يجب في هذا الملف بعد تحرير الموصل عام 2017، ويخشى الكثير منهم أن يبقى مصير أكثر من 3000 شخص من أقاربهم مجهولاً إلى أجل غير مسمى.

من عاش الحدث من الإيزيديين قبل 10 سنوات ونجا، ستبقى ذاكرته حمالةً للأوجاع والمعاناة، ومن لم يكن حاضراً يومها، وهو طفل اليوم سيعلم ما حدث في ذلك اليوم عندما يرى الحزن مرسوماً في وجوه الكبار.

قد يعجبك ايضا