الأرمن في سورية يُِهجرون من جديد والسبب ذاته العثمانيين
تاريخ الأرمن في سورية:
بدأ وصول الأرمن إلى سورية بعد انتصارات الملك ديكران، على الفرس والرومان في القرن الأول قبل الميلاد، وتذكر العديد من المصادر التاريخية بأن الشعب الأرمني كان موجوداً في سورية خلال الفتوحات الإسلامية، وفي سنة 1915 تضاعف عددهم عندما هاجروا إليها، إثر المجازر التي راح ضحيتها مليون ونصف مليون أرمني، على يد سفاحي السلطنة العثمانية في واحدة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية جمعاء، فيما لا يزال جرح الشعب الأرمني نازفاً وأنين ألمه مسموعاً في أرجاء العالم لنصرة قضيته الإنسانية العادلة، التي بقيت رهن التجاذبات السياسية والقوانين الدولية العاجزة، عن إجبار تركيا الوريثة الشرعية للمسؤولين عن تلك المجازر على تقديم اعتذارٍ رسمي على سبيل رد الاعتبار، ومنعاً لتكرار مأساةٍ انسانية بهذا الحجم”، وذلك إبان حكم السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
توزّع الأرمن في سورية:
تتركز الكتلة البشرية الأكبر منهم في مدينة حلب بالإضافة إلى مدينة القامشلي ومنطقة كسب في ريف اللاذقية ، وبحسب بعض التقديرات فإن ما بين 60 و100 ألف مسيحي من أصل أرمني، يقيمون في سوريا قبل بدء الأزمة عام 2011 أي ما يقارب 1% من سكان سورية.
الأرمن في ظل الأزمة السورية:
بعد مرور ستّ سنوات على نشوب الحرب في سورية، نال الأرمن الأرثوذكس حصّتهم من الحرب قتلاً وخطفاً وتهجيراً، شأنهم شأن بقية السوريين لكنهم اكتشفوا انَّ سوريا وطن لا محطة نزوح، وهو شعور أدّى التورط التركي في الحرب السورية دوراً مؤثراً في تقويته، إذ تقول الأغلبية منهم بأن المجزرة التي يتعرّض لها السورين اليوم على يد التنظيمات التكفيرية المدعومة تركياً هي نفسها التي تعرّض لها أجدادهم على أيدي العثماني.
ومنذ نشوب الحرب، تحاول مطرانية الأرمن الأرثوذكس في حلب وتوابعها مواصلة ما كانت تقوم به اجتماعياً وانسانياً، كرعاية الايتام والمسنين والفقراء، المتحدّث باسم المطرانية جيراير ريسيان يؤكّد في حديث مع وسائل إعلام أن «المدارس والجامعات والنوادي الثقافية والجمعيات الخيرية لا تزال تعمل، ولكن بوتيرة أخف ويرفض وصف خروج الأرمن من سوريا حالياً بـ الهجرة: إذ يقول “لا نعتبرها هجرة لأن الغالبية رحلت لفترة مؤقتة وسيعودون فور انتهاء الأزمة”، مقدّراً نسبة اللاجئين لأرمن بـ «ما بين الربع والثلث من عددهم، لافتاً إنهم سيعودون حتماً إلى بلدهم”. وعن أسباب اللجوء بالإضافة للدور التركي الإجرامي في تفعيل الأزمة يشير إلى أن كثيراً خسروا أعمالهم المعامل والمستودعات في المنطقة الصناعية والميدان والشيخ مقصود سرقت بالكامل وبيعت لتركيا.
معركة كسب ذات الأغلبية الأرمنية:
ذاكرة الأرمن في كسب زاخرة بالمآسي سنة 1909 قام الأتراك بغزو البلدة من الحدود الشرقية في محطة استبقت ابادة 1915 بعد 5 سنوات، عاد اليها من تبقى من أهلها قبل أن يعاد اجتياحها عام 1938 وضمها إلى تركيا وأُعيدت أجزاء كبيرة من كسب إلى سوريا بعد أن تمّ سلخها عنها بفضل موقف اساقفتها وغالبية سكانها الأرمن في حين بقي قسم آخر من أراضيها تحت سيطرة الاحتلال التركي.
في مارس 2014 كشفت صحيفة «تلغراف» البريطانية أن تركيا سهلت هجوم المقاتلين الإسلاميين على بلدة كسب» في ريف اللاذقية الشمالي ومنحتهم التفويض الذي كانت تحتاجه لشنّ الهجوم، فسمحت لهم بالوصول عبر موقع حدودي عسكري، يُعدّ حيوياً واستراتيجياً لنجاح الهجوم البري، الذي سبق بإطلاق القذائف من الأراضي التركية. وبعد الهجوم بأيام اندحرت قوات النظام والدفاع الوطني أمام الأعداد الكبيرة للمسلحين الذين سربت بعض المصادر عن وجود للقوات الخاصة التركية معهم وبعد السيطرة على المدينة مباشرة أصدر وزير الخارجية التركي آنذاك أحمد داوود أوغلو بياناً يقول فيه إن أي لاجئ من “كسب” مرحب به في تركيا، في خطوة رآها العديد من المراقبين محاولة من أنقرة للتودد من الأرمن وإظهار حسن النية تجاههم من جهة.
ومن جهة أخرى قبل بدأ معركة كسب بأيام قامت روسيا بضم القرم وتركيا لا مصلحة لها بأن تصبح “القرم” جزءاً من روسيا، فهي تتمتّع بجالية تركية (التتار*) من جانب ومن الصعب عليها تحمّل فكرة وجود روسيا على منطقة استراتيجية مطلّة على البحر الأسود، تقع إلى الشمال من حدودها، من جانب آخر.
فقرّرت تركيا الرّد، باعتبار انّ ضم القرم إلى روسيا له امتداداته الجيو-سياسية نحو تركيا، مما جعل الأخيرة تسعى للرد “وكسب ذلك في الحملات الانتخابية، مهددة النفوذ الروسي في الساحل السوري بألد الأعداء التاريخين للروس القوقازيون والشيشان.
وبل ذهبت أبعد من ذلك، مع تشكيل غرفة عمليات الهجوم الذي سمّي «معركة الأنفال» على أراضيها، ووضعت على رأس قيادته، المدعو «أبو موسى الشيشاني» الذي شارك في عملية خيرالله التي نفذها مقاتلون قوقاز ضد الجيش الروسي بعد انحلال الاتحاد السوفييتي.
لكن فهمت روسيا اللعبة وأبقت أسطولها في المياه السورية في حالة جهوزية تامة في حال اقترب منسوب الخطر من المصالح الجيو استراتيجية الروسية في سورية أو ما سمي القاعدة الروسية في المياه الدافئة وحذر العديد من الجنرالات الروس المعارضة السورية والجهادين في كسب من أي خطر تتعرض له القواعد العسكرية الروسية في الساحل السوري وبعد ما يقارب الشهرين استطاعت قوات النظام بعد خسارته لأعداد كبيرة من عناصرها بينهم هلال الأسد قائد الدفاع الوطني في اللاذقية من إعادة السيطرة على المدينة ونتيجة للمعارك التي حدثت في المدينة تهجر ما يقارب 3500 أرمني ما بين نازح ولاجئ وسرقت ودمرت أغلب الممتلكات العامة والخاصة نتيجة المعركة.
في نهاية المطاف تشير جميع المعطيات، أن الأرمن سوريون بامتياز ويدافعون عن سوريا، علماً بأن صورة هذه الجالية بقيت إيجابية لدى كافة الأطراف، ما أبقاهم بعيدين عن ساحة الصراع والتخوين، لكنّ توزّعهم الجغرافي أوقعهم في قلب المناطق الساخنة، ما اضطرهم إلى البحث عن الأمان وتكرار تجربة أجدادهم.
شادي بكار