قندهار الأفغانية 2001وإدلب السورية 2022، باعدت السنون بين المدينتين كما باعدتهما الجغرافيا عن بعضهم البعض، لكن جمعتهما صفةُ إيواء الإرهابيين، حتى باتتا اليوم في المحافل الدولية وجهين لعملة واحدة، وهي الإرهاب.

ففي تسعينيات القرن الماضي تحولت قندهار لمركز عالمي لتجمع الإرهابيين، واليوم يتكرر الشيء ذاته في إدلب، حيث تسيطر على جل المحافظة حركةُ تحرير الشام الإرهابية، وريثة جبهة النصرة المصنفة على قوائم الإرهاب العالمية لتبعيتها لتنظيم القاعدة.
ربما لم يفاجئ العالم بخبر مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو إبراهيم القرشي في ريف إدلب الشمالي، بموقع ليس ببعيد عن مكان تواجد سلفه أبو بكر البغدادي الذي أردي قتيلاً بالطريقة ذاتها قبل ذلك بأكثر من عامين على بعد أمتار قليلة من الحدود التركية.

لكن المفاجئ بحسب مراقبين هي محاولات متزعم هيئة تحرير الشام الإرهابية الذراع السوري لتنظيم القاعدة أبو محمد الجولاني الخروج من عباءة الإرهاب التي ارتداها منذ قرابة عقدين من الزمن، وتقديمه زعماء داعش الإرهابي قرابين في سبيل تحقيق غايته، وهي الحصول على مباركة أمريكية وغربية لإدارة المنطقة.
الإعلامي المصري والباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية هاني بكر قال إن أبو محمد الجولاني بدأ بتصدير نفسه للغرب وأمريكا بأنه يتزعم منظمة معتدلة، ومن الممكن استنساخ نموذج طالبان في أفغانستان، كما أنه بدأ بتصدير نفسه كمن يستطيع أن يخضع كافة الفصائل المسلحة في المنطقة تحت سيطرته
اتجاه أخر يبرز بين التحليلات الكثيرة التي تزخر بها الأزمة السورية، مفاده أن هيئة تحرير الشام الإرهابية التي نصبت العداء للولايات المتحدة والغرب منذ نشأتها بتسميتها الأولى مع بدايات تحول الحراك الشعبي السلمي في سوريا إلى صراع مسلح، تشهد الآن في داخلها صراع أجنحة، بعد تغيير منهجها بحسب الجولاني الذي أكد في لقاء صحفي أنهم لن يهاجموا أحداً خارج سوريا.
عوامل تشكل هذا الصراع الداخلي تبدو منطقية للغاية، حيث معظم عناصر هيئة تحرير الشام الإرهابية كانوا سابقاً عناصر في تنظيم داعش الإرهابي، وما زال بعضهم يكن الولاء لأبو بكر البغدادي سراً، رغم تغيير ولائهم جهراً للجولاني مع تغير الظروف الميدانية.
كما يبدو أيضاً أن ما يخطط له الجولاني بمباركة النظام التركي وفق مراقبين، يلقى رواجاً لدى المؤسسات الإعلامية الغربية، التي بدأت بنشر تقارير تفيد بتصرفات معتدلة لهيئة تحرير الشام الإرهابية، لا سيما بعد المقابلة التي أجراها الجولاني مع الصحفي الأمريكي مارتن سميث العام المنصرم.
وهذا ما أكده هاني بكري بأن بعض الصحف الغربية بدأت تروج لإيجابيات هيئة تحرير الشام الإرهابية، وتقول أنها كيان معتدل ويمكن التعامل معها، وشدد على لعب المجتمع الدولي دور أكبر لإيجاد حل للأزمة السورية التي يبدو أنها عصية على الحل نظراً لوجود أطراف خارجية تسعى لاستمرارها.
الناظر إلى إدلب من الخارج يعلم أنها توأم مدينة قندهار في تسعينات القرن الماضي، ويخشون عليها أن تسير على دربها، أما من في داخلها، فلا حول لهم ولا قوة، إذ باتوا بين ليلة وضحاها سجناء في مدينتهم، ورهائن لفكر إرهابي، يضع السيف على رقابهم، فيما يتملق الغرب للحصول على مكاسب سياسية.