ابتسم أنت في بلاد العم سام!

الداخلُ إلى واشنطن يواجَهُ بشاخصةٍ على الطريق وأخرى رقميّة على “الجي بي إس” تفيد بأنّه على وشكِ دخولِ “البلدة”. ومردّ ذلك أنّ العاصمةَ الأميركيّةَ تعود إلى مجرد “تاون” بعد انصراف نحو مليون إنسان يومياً خارج حدودها بعد انتهاء ساعات العمل في القطاعين العام والخاص.
وكأيِّ عاصمةٍ “عالمية” في العالم لديها طبقات من الجهات المعنية بحفظ الأمن والنظام. وبسبب تعدد المهام وحرصاً على عدم تنازع الصلاحيات، ثمّة فوارق بالزّيّ العامّ للشرطة مثلاً، وكذلك علامات فارقة لسياراتهم وما تحويه من قدراتٍ متلائمةٍ مع مهامها.
هناك وبعيداً عن “الخدمة السرية” وهو أمن الرئيس الأميركي وأسرته وفريقه الساكن في البيت الأبيض، هناك شرطة الكونغرس وشرطة واشنطن الكبرى وشرطة المتنزهات العامة وشرطة مرافق النقل بأنواعها، وشرطة المطار (ريغان ودالاس) وأخرى لحماية الأسرة ولا ننسى طبعاً شرطة الحيوانات الأليفة والضالة.
لكن لماذا الحرص على تبليغ العابرين إلى واشنطن أنّها لم تعد الأراضي التابعة لولايتي فيرجينا وميريلاند اللتين تشاركتا في خلق كيان فيدرالي للأمّةِ الأمريكية التي أطلق عليها اسم مقاطعة كولومبيا التي يُرمَزُ لها بالحرفين دي وسي بالإنجليزية؟ إنّ العبرة في الحدود القضائية القانونية.
خطوة واحدة في الاتجاه الخاطئ وتعني الحدّ بين الحرية والسجن، وقد تودي بالحياة المهنية لشخصٍ مرشّح لتسنُّم مناصب عليا في القطاعين العام والخاص.
سأكتفي بمثالين لتقريب الصورة: اقتناء السلاح الفردي وحمله في أميركا حقٌّ دستوري، لكن تنظيم قوانينه تخصّ الولايات الخمسين لا بل بمرافقها الخاصة سواءً تبعت ولايتها للقطاع الرسمي أو الأهلي. في ولاية – فيرجينيا -مثلاً, لا يجوز حمل السلاح الفردي دون إظهارهِ للناس حتى يعلموا بذلك. فيما يحقّ لمن يحصل على رخصةٍ خاصّةٍ بإخفاء حمله للسلاح تحت ملابسه. لكن كلّ ذلك لا قيمةَ له عند دخولِ واشنطن حيث لا يُسمح لأيٍّ كان سوى جهات إنفاذ القانون بحمل السلاح الناري أو المميت كالأسلحة البيضاء الهجومية أو العدائية بالأصح.
المثال الآخر العكس تماماً، فاستخدام الماريجوانا ما زال غير قانوني في ولاية فيرجينيا. فيما صار مباحاً في واشنطن منذ ستِّ سنوات إبّان ولاية الرئيس السابق باراك حسين أوباما، شريطة أن يكون الاستخدام شخصياً ولمن لا يقلّ عن واحدٍ وعشرين عاماً.
فَلَكَ أنْ تتخيّل موقف الشرطة في ضبط أيٍّ من الحالتين: هي لا تملك من أمرها سوى خدمة القانون طبقاً للمكان والزمان الخاصّ بكلِّ حادثةٍ على حدة ولا علاقة للأمر بالإنسان في هذه المسألة لا الشرطي ولا المشتبه به. الشرطة هنا ليست في خدمة الشعب, الشعار الذي دأبنا على ترديده، وإنما في خدمة القانون. صحيح أنّ الشعب هو من يختار المشرّعين الذين يسنّون القوانين، لكن السيّد هنا هو القانون, سيّدٌ على طرفي العلاقة دون تغوّلٍ لأيٍّ منهما على حقوق الآخر.
ما دفعني إلى كتابة هذه السطور الحملة التي تتعرّض لها الشرطة وجهات إنفاذ القانون في عددٍ من دول العالم ومن بينها أمريكا. صحيح أنّ هناك تجاوزات فردية وصحيح أنّ قوانين التوقيف والتحييد (ومنها الخنق المؤقت والتخدير والقتل) وقواعد الاشتباك كلها بحاجة إلى التطوير الدائم.
لكن ما ينبغي عدم السماح به تحت أيّ ذريعةٍ هو استغلال السياسيين وللأسف بعض الإعلاميين للمشهد على أنّه مجرّد فرصة للنيل من الخصم السياسي في الانتخابات أو الإثارة التي ترفع عدد المشاهدات.
ما جرى في عددٍ من المدن الأميركية منذ مقتل جورج فلويد قبل أربعة أشهر خطير للغاية. فكم من نار أشعلها مستصغر الشرر لم تبق يابساً ولا أخضرا..
ختاماً، نصيحتي لزوّار أميركا وواشنطن تحديداً، ولضمان حُسن العلاقات مع الشرطة: انظر للشواخص وابتسم فثمّة كاميرا ما في مكان ما، ترحّب بك! وسنبقى كلنا بعون الله “يدٌ واحدة”!

الكاتب: بشار جرار 

قد يعجبك ايضا