إرادةُ شعوب
شعوبٌ توّاقةٌ للحريّة.. فمهما أرادت الأنظمة الاستبدادية طمث فطرةِ الشعوب “بأنهم أحرار” إلّا أنّ الشعب لا ينحني لتلك الإرادات، التي تتماشى مع مصالحٍ شخصية، أو لصالح فئةٍ أو طائفةٍ معيّنة متشبثة بالسلطة أفلحت في جعل الشعوب تدخلُ في سباتٍ عميق ونومٍ مغناطيسي، وذلك من خلال شعاراتٍ برّاقة تنادي بالحرية والاشتراكية، وفي الواقع هي تزرعُ الخوفَ والذعرَ في قلوب الملايين، ولكن غفلوا عن جذور هذه الشعوب، التي تشهد بأنّه لا إرادةَ تعلو فوق إرادةِ الشعوب ، فالشاعر التونسي “أبو القاسم الشابّي” خلّد إرادةَ الشعب ببضعِ كلماتٍ حين قال: إذا الشعب يوماً أرادَ الحياة … فلا بُدَّ أن يستجيب القدر، ليأتي وبعد سنينٍ عِجاف -شعلة ثورة الشعوب- التونسي “محمد البوعزيزي” حين جعل من جسدهِ موقداً يُنير درب الشعوب ويُحرق عرش الأنظمة الدكتاتورية، الذي نسجوه من قشِّ أوهامِهم بالهيمنة على تلك الإرادات، وأفلح البوعزيزي، عندما سئم وضعه الاجتماعي المتردّي، إضافةً لتسلّط الشرطة على المواطنين وعدم قبول الشكاوي الموجّهة ضدّهم، فتضامن الشعب مع البوعزيزي وعلت صرخاتُهم في مظاهرات للمطالبة بالعدالة والحرية، ولكن الاحتجاجات سرعانَ ما تحوّلت إلى ثورةٍ، أطاحت بهيمنةِ وجبروتِ الرئيس التونسي “زين العابدين بن علي” لتكون شرارة الاحتجاجات في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.
وجاءت نسماتٌ من تونس ليرتشفها الشعب المصري …. نعم نسماتُ الحرية التي دفعت الملايين لإظهار ألمَهم الدفين عبر صرخاتٍ بلغت عنان السماء، في ميادين البلد احتجاجاً على سوء الأحوال المعيشية والبطالة، والسياسة القمعية والاقتصاد والتوريث ومناهضةً للفساد الفاحش في ظل حكم الرئيس محمد حسني مبارك، وبالرغم من القمع الممنهج من قبل زبانية الحاكم، إلّا أن إرادة الشعب اسكنته خلف القضبان وأطاحت به وخضع لإرادتهم.
كان للثورة التونسية الشعبية التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، أثرٌ كبيرٌ في إطلاق شرارة الغضب الشعبي في مصر.
وبحكم أن معظم الدول العربية تملك سجّلاً سيّئاً في حقوق الإنسان، وذلك لاستبداد الحكام، إضافةً لمجيئِهم للحكم بطرقٍ غير شرعية.
فالزعيم الليبي معمر القذافي على سبيل المثال، كان أقدم حاكم على وجه الأرض، وجاء للحكم بانقلابٍ عسكري سنة 1969 أسماهُ ثورة الفاتح.
ولكن ليبيا لا تكاد أن ترى أشقاءها أثبتوا إرادتهم الجبّارة وقضوا على الظلم، إلّا وانتفضت ضدّ من حكمهم عنوةً وتجبّراً، وقضوا على أحد براثنة الدكتاتورية في العالم.
ثورات الشعوب لا تعرف طفلاً ولا مُسنّاً، فالحرية ينعم بها الرضيع والشيخ بل ويتلذذ بها، فأطفال سوريا حالهم ليس بأفضل من حال البوعزيزي، حيث كانوا شرارةً لتنطلق الشعوب نحو طريق الحرية والثورة على الظلم في سوريا، لكن الشعب في سوريا فضّل الموت على المذلة، وضحّى ويضحّي بكلّ ما هو غالٍ ونفيس، في سبيل أن يتحرّر من أغلالٍ كبّلتهُ على مدى سنينٍ طوال وكمّت الأفواه عن النطقِ بحروف الحرية التي لطالما قُمعت ليطغى عرشهم على إرادة الشعوب…….
ولكن لابد للقيد أن ينكسر.. واحذروا هذا الشعب حمّالٌ .. وإن النوقَ إذ صُرِمت.. لن تجدوا لها لبناً ولن تجدوا لها ولدا ………..
Kh.D