عامان وأكثر مرّا على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تأثر خلالها البلدان ومعهما العديدُ من دول العالم، من الناحية الاقتصادية والدفاعية على الأقل، بعدما شكّل الصراع بين الدولتين الرائدتين في تصدير الحبوب، تهديداً للأمن الغذائي العالمي، وتوتراً عسكرياً غيرَ مسبوق، كاد في بعض المرّات أن يتسبب بمواجهاتٍ مُباشرةٍ بين موسكو وعواصمَ غربية.
عامان وأكثر لم تحقّق فيهما روسيا المُهاجِمة، سوى ما كانت قد أنجزته في الأشهر الأولى من الحرب، بعد أن سيطرت على ما يزيد على خمسة عشر في المئة من مساحة أوكرانيا، فيما خسرت الأخيرة المزيدَ من الأرواح والمرافق الحيوية من منشآت طاقةٍ ودفاع، رغم محاولاتها استعادةَ بعضٍ من أراضيها بهجماتٍ مُضادّةٍ مدعومةٍ بسلاحٍ غربي، ولكن هيهات هيهات، في ظل التحشيد العسكري الروسي، يقول خبراءُ عسكريون.
تحشيدٌ زاد مؤخراً على الجبهة الشرقية لأوكرانيا، تزامناً مع تصاعد الضربات الأوكرانية على المناطق الروسية الحدودية، لتبدأ موسكو فيما يبدو جولةً عنيفةً من الهجمات، حقّقت فيها السيطرةَ على عدة قرىً في جبهتَي دونيتسك وزابوريجيا، وذلك قُبيل إطلاق هجومٍ بريٍّ كبير على محاورَ بخاركيف، مستغلةً نقص السلاح والذخيرة لدى كييف، مما يعني دخولَ الحرب مرحلةً جديدة، مجهولةَ النتائج، ولو أنها أقربُ لأن تكون لصالح الآمِر هناك في الكرملين، وفقاً لمراقبين.
هجومُ خاركيف بدأ يومَ الجمعة الماضي، بعد تصريحاتٍ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ألمح فيها إلى إمكانية إنشاء منطقةٍ عازلةٍ على طول الحدود، للمساعدة في الحماية من الضربات الأوكرانية، مؤكداً أن بلاده لن تتراجع عن حربها المتواصلة منذ شباط / فبراير ألفين واثنين وعشرين. هجومٌ أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنه حقّق نتائج، بعد أن سيطرت قواتُها على نحو عشر قرىً في المنطقة خلال يومين، وسط عمليات إجلاءٍ أجرتها السلطات الأوكرانية في المنطقة المستهدفة.
الجيش الأوكراني أقرَّ بصعوبة الوضع على الجبهة الشرقية، وأكد وجود نوايا لروسيا بإنشاء منطقةٍ عازلةٍ في خاركيف وسومي، في وقتٍ أجرى البلدان تغييراتٍ عسكرية، كان أكبرها في روسيا مع تعيين أندريه بيلوسوف وزيراً للدفاع خلفاً لسيرغي شويغو، الذي تم تعيينه وفقاً للإعلام الروسي، أميناً عاماً لمجلس الأمن القومي.
تداعياتٌ كارثيةٌ تُنذِر بها الحرب خلال الأيام والأسابيع القادمة، قد تشمل ما تبقّى من قطاعات الطاقة والدفاع لأوكرانيا على وجه الخصوص، مع تصعيد موسكو، وردِّ كييف بضرباتٍ جويةٍ أوجعت روسيا، التي تهدد من جانبها باستهداف أي دعمٍ غربيٍّ بشريٍّ أو حربي قد يصل أوكرانيا، في ظل تلميحاتٍ فرنسيةٍّ لإرسال قواتٍّ لساحة المعركة، تزامناً مع حزمة مساعداتٍ غربيةٍ كبيرة للقوات الأوكرانية، بينما يبقى الملف الدبلوماسي لإنهاء الصراع الدامي، مَخفياً بين الكواليس.