أكيتو.. عيد الحرية والتجديد والانبعاث(ملف خاص)
يُعدُّ عيد أكيتو، الذي يُحتفل به في الأول من نيسان من كل عام، من أقدم الأعياد التي عرفتها البشرية، حيث تعود جذوره إلى الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين، وخاصة السومرية والبابلية والآشورية والسريانية والكلدانية. ويرتبط أكيتو بتجدد الطبيعة والخصوبة وبداية العام الجديد.
يعود تاريخ عيد أكيتو إلى أكثر من أربعة آلاف عام قبل الميلاد، حيث كان يُقام في بابل وآشور احتفالاً بتجدد الحياة في الربيع. ويعكس العيد فلسفة الحضارات القديمة التي رأت في الربيع بداية دورة جديدة للحياة، حيث كانت المراسم تبدأ في معابد الآلهة، خصوصاً معبد ماردوخ في بابل، وتتضمن طقوساً دينية ورقصات احتفالية ومسيرات جماهيرية تعبيراً عن الفرح بقدوم العام الجديد والاعتدال الربيعي.
وفي الحضارة الآشورية، استمرت الاحتفالات لمدة أثني عشر يوماً، وكانت تتضمن طقوساً دينية متعددة، تشمل مسيرات احتفالية، وإعادة تمثيل أسطورة الخلق البابلي، حيث يرمز العيد إلى انتصار النظام على الفوضى، وتجدد العهد بين الآلهة والبشر.
وبالنسبة للسريان الآشوريين الكلدان، لا يمثل أكيتو مجرد احتفال تقليدي، بل هو جزء أساسي من الهوية الثقافية والدينية والقومية. فهو يرمز إلى الاستمرارية والبقاء رغم المصاعب التي مرت بها هذه الشعوب عبر التاريخ، من الهجمات إلى التهجير القسري. لذلك، يعد الاحتفال بعيد أكيتو اليوم تجسيداً للحفاظ على التراث والثقافة الخاصة بهم، وفرصة للتأكيد على ارتباطهم العميق بجذورهم التاريخية.
وتحتضن مناطق شمال وشرق سوريا تنوعاً ثقافياً ودينياً كبيراً، ويُعَد السريان الآشوريون الكلدان جزءاً أصيلاً من هذا النسيج الاجتماعي. ومع إعلان الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، شهدت هذه المجتمعات فرصة غير مسبوقة للاحتفال بهويتها وثقافتها بحرية.
وتشهد مدن مثل قامشلي، و المالكية / ديريك، والقحطانية / تربه سبيه والحسكة وتل تمر فعاليات واسعة في عيد أكيتو، حيث يتم تنظيم مسيرات شعبية يرتدي فيها المشاركون الزي التقليدي، ويرفعون الأعلام التي تمثل حضارتهم العريقة. كما تقام الاحتفالات في الساحات العامة، حيث تُقدم العروض الفلكلورية والرقصات الشعبية والمسرحيات التي تستعرض قصصاً من التاريخ الآشوري والكلداني.
وتُعدّ الأغاني التراثية جزءاً مهماً من الاحتفالات، حيث تردد الفرق الموسيقية الألحان القديمة التي توارثتها الأجيال. كما تُقام طقوس دينية في الكنائس، يتم فيها الدعوة إلى السلام والمحبة والتعايش بين جميع مكونات المجتمع.
ومن أبرز مظاهر الاحتفال أيضاً قيام الأسر الآشورية بتحضير المأكولات التقليدية التي تعود جذورها إلى العصور القديمة، مثل المخبوزات الخاصة بهذه المناسبة، حيث تجتمع العائلات حول موائد الطعام احتفالاً ببداية العام الجديد.
وأسهمت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، في تعزيز مفهوم التعددية الثقافية والدينية، حيث الاعتراف رسمياً بحق جميع المكونات في ممارسة طقوسهم الدينية والاحتفال بمناسباتهم القومية. وقد أتاحت هذه البيئة الآمنة للسريان الآشوريين الكلدان فرصة لإحياء أكيتو كما لم يحدث منذ عقود.
كما أن الاعتراف بعيد أكيتو كجزء من التراث الثقافي للمنطقة يعزز من التماسك الاجتماعي، حيث يشارك العديد من أبناء المكونات الأخرى في هذه الاحتفالات.
ويحمل عيد أكيتو رسائل قوية تتعلق بالسلام والحرية والهوية. فهو يمثل فرصة لأبناء السريان الآشوريين الكلدان للتعبير عن ثقافتهم وإرثهم التاريخي، وتأتي احتفالات أكيتو في شمال وشرق سوريا بمثابة رسالة إلى العالم بأن المنطقة قادرة على احتضان تنوعها الثقافي والديني والعيش المشترك وبأمان مع كافة مكونات المنطقة، وتقديم نموذج إيجابي في ظل الصراعات التي تعصف بالشرق الأوسط.
إن عيد أكيتو ليس مجرد احتفال بالسنة البابلية – الآشورية الجديدة، بل هو رمز للصمود والتجدد والحرية الثقافية. وفي شمال وشرق سوريا، يتمتع السريان الآشوريون الكلدان بحرية الاحتفال به كجزء من ثقافتهم وتراثهم، بفضل مناخ التعددية الذي أتاحته الإدارة الذاتية والتي أسهم السريان الآشوريون والكلدان في تأسيسها جنباً إلى جنب مع شعوب المنطقة.