أكراد سوريا من الاضطهاد إلى محط اهتمام العالم

تشير بعض التقارير إلى أن كرد سوريا يشكلون ما يقارب 10 بالمئة من مجموع السكان، وعلى الرغم من ذلك لطالما تعاقبت الأنظمة التي حكمت سوريا على اضطهادهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم كشعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية، بدء بحرمانه من الجنسية ومنعه التكلم والتعلم باللغة الأم، إلى مصادرة أراضيهم ضمن ما عرف بمشروع الهلال الخصيب، وملاحقة النشطاء السياسيين وفصل الطلبة الكرد من المعاهد والجامعات وغير ذلك من الإجراءات التعسفية التي مورست بحقهم على مدار عشرات السنين.
ورغم تلك الممارسات من قبل الأجهزة الأمنية إلا أن الكرد ما فتئوا يحاولون الثورة والنهوض على الاستبداد، سيما وأن الجغرافية السورية كانت خير شاهد على التاريخ البطولي للمناضلين الكرد الذين أبلوا بلاء حسناً في تاريخ سوريا الحديث.
ومع بدء الأزمة السورية اتخذ الكرد موقفاً لم يكن بالغريب عبر مناهضة النظام والخروج في مظاهرات سلمية، إلى أن توصلوا بعد التوافق مع المكونات الأخرى إلى مشروع الحماية الذاتية، خاصة بعد أن تدخل الأتراك في الأزمة السورية وتسهيلهم دخول التنظيمات والعناصر الإرهابية المتطرفة، مما أدى بهم لاتخاذ ما عرف بالخط الثالث والذي بدا محايداً في الحراك السوري عبر تشكيل قوات دفاع وحماية ذاتية، بعد إخراج الأجهزة الأمنية للنظام السوري من أغلب المناطق التي يتواجدون فيها بكثرة والحفاظ والإبقاء على مؤسسات الدولة من جانب، ومن جانب أخر أخذت وحدات الحماية على عاتقها حماية الشمال السوري من التنظيمات الإرهابية وطردها من كل المناطق في شمال وشرق سوريا.
البداية كانت في طرد الفصائل الراديكالية من سري كاني رأس العين، إلى المقاومة البطولية التي حطمت أسطورة داعش الذي زعم أنها لا تقهر، إذ مُنعَ التنظيم الإرهابي من احتلال مدينة كوباني وارتكاب المجازر بحق أهلها.
ومع محاولة تنظيم داعش الدخول لمدينة كوباني بدأت قصة الشراكة ما بين الكرد والتحالف الدولي الذي شكلته واشنطن للقضاء على تنظيم داعش، والتي تشير تقارير عديدة بأن التحالف بقيادة واشنطن تيقن بأنه حتى يتمكن من القضاء على هذا التنظيم، فلن يجد أفضل من الكرد كي يتحالف معهم، ويقيم معهم شراكة ربما تصبح في الغد المنظور استراتيجية، بعد أن أثبتت الوحدات الكردية أنها جديرة بالثقة، خاصة بعد أن تحالفت واشنطن مع فصائل مناوئة للنظام وقامت بتدريب قسم منهم وسلحتهم، إلا أنهم انقلبوا عليها في أول اختبار ووصل السلاح الأمريكي لجبهة النصرة الإرهابية.
الكرد السوريين ومنذ بدء الأزمة السورية رفعوا شعار فدرلة الدولة ورفض الانفصال عن الوطن الأم، ولطالما أكدوا على سوريتهم من خلال الدعوة للمحافظة على وحدة التراب السوري، بعكس ما روجت ومازالت وسائل إعلام ربما لغايات في نفس مغرضين حاولوا مراراً دون فائدة زرع بذور الفتنة بين الشعوب التي تقطن المنطقة من مختلف الأعراق والأديان والمذاهب التي تختصر فسيفساء الجغرافية السورية من عرب وسريان وتركمان وغيرهم، وشكلوا ما عرف بقوات سوريا الديمقراطية التي تعتبر وحدات حماية الشعب عمودها الفقري.
هذه القوات أخذت على عاتقها مهمة حماية وتحرير شمال وشرق سوريا من براثن داعش، وأثبتت جدارتها في هذا السياق منذ بدء مهمتها وحتى يومنا هذا، حيث تقارع داعش الذي بات يسيطر على بضع مئات من الأمتار المربعة بقيت له في أخر معقل بريف دير الزور الشرقي، وينتظر العالم بفارغ الصبر إعلان النصر النهائي على أعتى قوى للظلم والظلام والإرهاب والعبودية عرفتها البشرية في التاريخ الحديث.
لربما محاربة الكرد لتنظيم أرعب العالم أجمع، عندما جمع شذاذ الآفاق والقاع المجتمعي، بالإضافة لحفنة من أجهزة المخابرات العالمية قرروا أن يتحكموا بمصير البشرية بعقلية القرون الوسطى، كانت بمثابة بزوغ نجم يؤمن بالفكر الحر المتعدد والمختلف.
وأكثر ما لفت الانتباه حول هذا المكون الذي أثار عاصفة ضجيج ولا يزال بعد إعلان الرئيس الأمريكي الانسحاب من سوريا ما يعني إفساح المجال لحكومة العدالة والتنمية لذبح شعب كافح الإرهاب نيابة عن العالم.
النوايا التركية المبيتة لإبادة هذا الشعب لم يستطيع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إخفاءها عندما قال الأتراك يريدون ذبح الكرد، مما استدعى موقفاً عاصفاً في العديد من العواصم الأوروبية والعربية للتنديد والتحذير من مصير شعب نسي أو لربما يحاول العالم أن يغض الطرف عن أفضاله، نظراً لما يعرف بالمصالح الدائمة وليست العلاقات الدائمة وفي حال لم توفر الحماية السياسية والعسكرية له من ثاني أقوى جيش في الناتو لربما تسقط كل مبادئ الأخلاق في هذا الكون، بل لربما تعتبر سقوطاً للقوى العظمى خاصة للولايات المتحدة الأمريكية، وفق السيناتور لينزي غراهام، الذي دعا إلى عدم خيانة الشريك وتركه يواجه مصيره بعد التضحيات العظيمة التي أبداها، ما جعل الكرد قاسماً مشتركاً في معظم تغطيات وسائل الإعلام العربي والعالمي عنوانها أن كرد سوريا معرضون للخذلان الأمريكي.

قد يعجبك ايضا