تركيا ..بين المنطقة الأمنية والآمنة؟!

سوريا وكما عدد من الدول العربية التي تفجرت فيها الأوضاع إثر ما عرف بـ”ثورات الربيع العربي”، تعيش صراعاً داخلياً دموياً وذلك بعد أن تحولت الثورات الشعبية المطالبة بالحرية والكرامة في هذه البلدان إلى ما يشبه الحروب الأهلية، نتيجة التدخلات الإقليمية والدولية وبالأخص تدخلات عدد من الدول الإقليمية وعلى رأسها تركيا وإيران بالنسبة للوضع السوري. وهكذا تحولت المطالب الشعبية لتنفيذ أجندات إقليمية وخاصةً بعد عسكرة الثورة وركوب التيار الإخواني الإسلامي بقيادة حزب العدالة والتنمية التركي.. ولتنفيذ مشروعها الإسلاموي، شرعت تركيا لفتح أبوابها أمام كل التيارات الراديكالية الإسلامية وعلى رأسهم الإخوان المسلمين وأمدتهم بالدعم اللوجستي والعسكري بالإضافة للدعم القطري، فكان لها أن تتمدد وتحتل أكثر من نصف الأراضي السورية، لكن وبعد التدخلات الدولية انحسر النفوذ التركي الإخواني، وبدأت تركيا تعقد الصفقات على حساب المعارضة السورية، لوأد مشروع “الإدارة الذاتية الديمقراطية” وقد نجحت في جزء من مشروعها، وذلك عندما تغاضت القوى الدولية عن احتلال تركيا لمنطقة عفرين، وتشريد أهلها وتغيير ديمغرافيتها السكانية والتي يمكن وصفها بالإبادة الثقافية ضد الشعب الكردي.

بكل تأكيد المشروع التركي لا يتوقف عند عفرين، بل تريد احتلال كل الشمال السوري، وإعادة إحياء الاتفاق الملي بضم لواءي الموصل وحلب لأراضيها، يضاف لذلك العداء التاريخي لتركيا مع الكرد، مما يجعل القيادات التركية؛ تعمل المستحيل لإخراج الكرد من المعادلات الإقليمية، ولم يكن تصريح الرئيس التركي؛ بأنهم لن يسمحوا ب”مستنقع” آخر على غرار إقليم كردستان اعتباطياً، بل هو تأكيد على العقلية التركية ضد أي مكسب سياسي كردي بعكس ما تدعي تركيا بأنها تعادي طرفاً سياسياً تصفه بالإرهاب، ولذلك فهي حاولت مع روسيا أن تعقد صفقة ولو على حساب المعارضة مجدداً في محافظة إدلب من أجل السماح لها احتلال شرق الفرات تحت مسمى “المنطقة الآمنة”، لكن يبدو أن الروس خيبوا الآمال التركية، ولذلك حاولت إحياء “المنطقة الأمنية” أو ما يعرف باتفاقية أضنة المشئومة، والتي وقعت بين الدولتين عام 1998 وتسمح لتركيا بالدخول لعمق (5)كم داخل الأراضي السورية، وملاحقة كوادر العمال الكردستاني.
لكن وبقناعتي الشخصية فإن الاتفاقية سوف ترفض من النظام السوري وذلك لمتغيرات عدة؛ أهمها تغير موقف تركيا من دولة جارة إلى دولة معتدية.. وبكل الأحوال حتى وإن وافق الروس، فلا اعتقد بأن تنفيذها سوف يؤثر على مناطق شرق الفرات، وخاصةً عندما يكون هناك اتفاق بين الإدارة الذاتية ودمشق-التي يشجعها الروس-فحينها لن يكون هناك أعضاء لحزب العمال الكردستاني، لكي تقوم تركيا بملاحقتهم، بل مواطنين سوريين يديرون شؤونهم الداخلية.

بير رستم – كاتب ومحلل سياسي

قد يعجبك ايضا