سوريانا الجديدة..

ذبح المسلمون بعضهم بعضا على الهوية بين سنة وشيعة على مذبح حديث “الفرقة الناجية” وفي أتون “فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله”.
لم تجد سياسة “النأي بالنفس” نفعا منذ رفع القرآن -“حمّال الأوجه”- على أسنّة الرماح في حادثة التحكيم بين قوم عليّ ومعشر معاوية، فقليلون الذين “كسروا سيفهم” خشية من الخوض في دماء الأبرياء اتقاء “الفتنة”.
لم يرحم تاريخ من لم يفقهوا سيرة الأنبياء وأحفادهم. طغاة تعاقبوا على انتزاع السلطة بشتى الوسائل، قطعوا رأس يوحنا المعمدان، ورأس الحسين، وما بينهما وبعدهما هامات كثر. وكأن قدر سورية -السيدة- شهادة الموت والقيامة مرارا، فهذا المسجد الأموي احتضن يوما يوحنا والحسين، على مرمى حجر من الطريق الرسولي الواصل بين القاتل المضطهد باسم الله “شاول” والرسول الشهيد “بولص”.
أما آن الأوان يا “سوريانا” أن تنفضي الأغراب عن ردائك بعد أن أوغلوا في الخوض بدماء بنيك بمئات الجنسيات واللغات واللهجات باسم طواغيت الأرض كلها وأصنامها لا باسم الله. حاشا أن يكون “أكلة الأكباد” في عداد “عباده الصالحين”.
سوريا بألف ممدودة كانت تطاول السماء أو بتاء مربوطة بين الجبين والوتين، تطوي الصفحة الأخيرة من سبع سنين عجاف. وسورية الجديدة يتلهف عشاقها إلى أن تنظر جيدا في تلك السنين وما سبقها من عقود. الحقيقة الساطعة هي أن سوريا قوية بوحدتها. ووحدة سوريا الحقيقية في تنوعها وتعدديتها. ومن سنّة الحياة التباين والخلاف، “خلاف لا يفسد للود قضية” فلا يتشيّع كلٌّ لما اختُلف فيه.
بداية المنعة الاستراتيجية المستدامة، تبدأ بإعادة بناء سورية المنتصرة، فقيامتها في تعددية على مثال ميلادها حيث لا إقصاء ولا استقواء عرقيا كان أم دينيا أم طائفيا.

بشار جرار – كاتب ومحلل سياسي

قد يعجبك ايضا