أبعاد السياسة البراغماتية الروسية في سوريا

اسماعيل خضر

 

روسيا وإيران يوصفان بالحليفين القويين وبأنهما أبرز الداعمين لنظام بشار الأسد. والتعاون بين إيران و روسيا يتجاوز التقارب الكبير في الملف السوري، الى تعاونٍ اقتصادي وتقاربٍ في وجهات النظر بخصوص عدد من الملفات الإقليمية، بالإضافة الى العلاقات المتوتّرة مع الغرب.

لكن خلف هذا التحالف الظاهر تطفو الى السطح بين الفينة والأخرى خلافاتٍ واختلافات استراتيجية. فهل موسكو وطهران حلفاء بالفعل، أم مجرّد شركاء براغماتيين.

شكّلت الأزمة السورية إحدى ساحات التعاون الإيراني-الروسي رغم التباين في الأهداف والدوافع، التي قادت البلدين إلى التدخّل في هذه الأزمة، فتبادلتا قيادة العمليات العسكرية في سوريا و المعلومات الاستخباراتية في الجبهات.

التعاون والتنسيق

خلافاً لتصريحات مسؤولي الكرملين بأن التدخّل الروسي في سوريا جاء بطلبٍ من بشار الأسد وبموافقة مجلس الاتّحاد الروسي على تفويض الرئيس فلاديمير بوتين لاستخدام القوات المسلحة الروسية خارج البلاد، إلا أن حسين شريعة مداري، مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، أعلن أن الحضور العسكري الروسي في سوريا كان بطلبٍ تَقدّمَت به إيران رسمياً لإنقاذ نظام بشار.

كما كشفت الصحف الإيرانية نقلاً عن صحيفة “غازيتا” الروسية، عن دور قائد ميليشيات القدس قاسم سليماني في إقناع بوتين بدخول الحرب في سوريا.

تسريب صور القاذفات الروسية في قاعدة نوغه بهمدان وبيان وزارة الدفاع الروسية بأن “سلاح الجو الروسي أنطلق من القاعدة لتوجيه ضربات ضّد مواقع تنظيم داعش والنصرة في سوريا”، أدخل الإيرانيين في دوامةٍ من التصريحات المتناقضة.

فبعد ساعات من إعلان الدفاع الروسية، قال رئيس البرلمان علي لاريجاني، إن “بلاده لم تمنح الروس حق استخدام همدان”، ليرد وزير الدفاع الإيراني بالقول، “أن البرلمان لا شأن له باستخدام القاعدة “مؤكّداً أن استخدام القاعدة جاء” في إطار تعاون ثلاثي إيراني-روسي-سوري”

رغم التباين في التصريحات الإيرانية، لم يُسمح لـ روسيا باستخدام القاعدة فيما بعد، فيما اعتبر الإيرانيين بأن استخدامها من قبل الروس ينافي أحد أهم مبادئ وشعارات ومرتكزات “ثورة الخميني”.

التباين والإختلاف

الاتفاق الروسي –التركي  

أظهر الاتفاق الروسي-التُركيّ خلافات روسيا وإيران إلى العلن، وذلك بعد إجلاء المدنيين والمسلَّحين المحاصَرين في حلب والمناطق التابعة لها.

سعت إيران للالتفاف على الاتِّفاق التركي-الرُّوسي عبر وضع شروط إضافية مثل “إجلاء سكان قريتَي الفوعة وكفريا التي تحاصرها فصائل تتبع تركيا”، إضافة إلى قصفها عددًا من الأحياء ووقف قوافل المدنيين المغادرة من حلب واحتجاز المواطنين كرهائن، كما أبدى الحرس الثوري رفضه دخول مراقبين أممين بحجّة إنهم ” جواسيس”.

ما دفع بالكثير من المراقبين للشأن الإيرانيّ بالقول أن “التعاون الرُّوسي-الإيرانيّ في سوريا هو تحالفٌ هَشّ فرضه واقع النظام في دمشق”.

راقبت إيران بقلق الاتِّفاق الرُّوسي – التركي بشأن إجلاء الفصائل المسلّحة من حلب و مناطق الداخل، فهذا الاتفاق أبرز الدور الروسي وقدرة سيطرته على مركز القوة في دمشق، مقابل تراجع الدور الإيراني. حيث هدّدت روسيا بالرَّد على أي إطلاقٍ للنار خلال عمليات الإجلاء، حتى وإن كانت مصادر النيران “حليفة”.

الأسد “خط أحمر”

ترى إيران في بقاء الأسد “خطًّا أحمراً” لا يمكن تجاوزه، في حين لا تتمسك روسيا بالأسد ولا تمانع في رحيله، الأمر الذي أوصل طهران إلى قناعة بأن موسكو تستخدم ورقة الأسد للحصول على مزيد من المكاسب، وهي تعمل على أن تستبدل به حاكماً آخراً يضمن لها مصالحها في سوريا والمنطقة، أما إيران فترى أن رحيل بشار الأسد خلال الفترة المقبلة، يُنذر بهدم التصوّرات الإيرانية حيال مصالحها، وظهر ذلك بيِّنًا في تصريحات القائد العام للحرس الثوري الإيراني، الجنرال الإيراني محمد علي جعفري “أن الرفيق الشمالي الذي جاء مؤخّراً الى سوريا للدعم العسكري بحث عن مصالحه، وقد لا يهمه بقاء الأسد كما نفعل نحن”، مضيفاً ” الأسد بالنسبة لسوريا كالمرشد الأعلى للنظام الايراني “.

 الميليشيات الإيرانية

طهران تسعى لتوطيد نفوذها من خلال تأسيس أذرع عسكرية وإيجاد عشرات الميليشيات الطائفية على شاكلة “حزب الله”، على غرار ما فعلته في العراق، لمساعدتها في سياسة التمدد الإقليمي، اقترحت موسكو –صاحبة نفوذ قوي في المؤسسة العسكرية للنظام السوري-  ضم تلك الميليشيات إلى قوات النظام، امتعضت إيران من هذه الدعوة واستشعرت أن روسيا تستهدف حرمانها من ظهيرها العسكري، الذي شكَّلَته على غرار الحرس الثوري، ومِن ثَم تنفرد روسيا بالقوى العسكرية المتخندقة في معسكر بشار الأسد.

كما تبقى المنظومات الدفاعية الروسية S-400 هادئة في كل مرة تستهدف إسرائيل مواقع وقوافل حزب الله في سوريا.

 فيدرالية شمال سوريا

ثمة خشية إيرانية من تعاظم فكرة الفيدرالية في سوريا خوفاً من تداعياتها المستقبلية عليها، فقد صرّح الرئيس الإيراني حسن روحاني ” أن إيران تدافع عن وحدة سوريا وسيادة الدولة على كامل أراضيها “.

أما روسيا تؤيّد قيام نظام اتحادي في سوريا طالما لا ينفصل عن الدولة السورية، هذا ما أكّده نائب وزير الخارجية الروسي, سيرغي ريابكوف قائلاً: “أن على السوريين وضع معايير محددة للهيكلة السياسية في سوريا، التي  تعتمد على الحفاظ على وحدة أراضي البلاد، بما في ذلك إمكانية إنشاء جمهورية فيدرالية”.

بناءً عليه، عقدت روسيا الاتفاقيات العسكرية مع وحدات حماية الشعب بصدد إقامة قاعدتين عسكريتين في عفرين، بالإضافة لعمل موسكو على تدريب مقاتلي الوحدات في إطار مكافحة الإرهاب.

أكّد المتحدث باسم وحدات حماية الشعب ريدور خليل بأن “أن الوجود الروسي يأتي (…) في إطار التعاون في مكافحة الإرهاب والمساعدة في تدريب القوات على الحرب الحديثة وبناء نقطة اتصال مباشرة مع القوات الروسية”.

وأخيراً، استفاق الدب الروسي من سباته بعد شتاء “ماركسي” طويل، ليتبنّى معايير أكثر مرونة وبراغماتية في سياسته الخارجية.

وتبقى سوريا الساحة الأولى التي يستخدمها “الروس” في اختبار “قوته المرنة” منذ المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي عام 1956، ويبقى السؤال: هل تنجح روسيا باعتدالها السياسي من بناء علاقات متشعّبة مع المجتمع السوري، وإخراج إيران من المعادلة، أم تعود إلى العهد السوفيتي لتبنّي نظام ديكتاتوري شديد المركزية!

 

قد يعجبك ايضا